للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالِالْتِزَامَ جَمِيعًا لِعَدَمِ النَّظَرِ الْمُوجِبِ لِلتَّصْدِيقِ، وَقَدْ يَكُونُ مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ لَكِنَّهُ غَيْرَ مُقِرٍّ وَلَا مُلْتَزِمٍ، اتِّبَاعًا لِهَوَاهُ. فَهَلْ يَكُونُ حَالُ هَذَا إذَا تَابَ وَأَقَرَّ بِالْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ تَصْدِيقًا وَالْتِزَامًا، بِمَنْزِلَةِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا، كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ؟ فَهَذِهِ الصُّورَةُ أَبْعَدُ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَى التَّارِكِ الْمُتَأَوِّلِ، وَفَسَخَ الْعَقْدَ وَالْقَبْضَ عَلَى الْمُتَأَوِّلِ الْمَعْذُورِ، فَعَلَى هَذَا الْمُذْنِبِ بِتَرْكِ الِاعْتِقَادِ الْوَاجِبِ أَوْلَى. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ وَجَزَمْنَا بِصِحَّتِهِ، فَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ. قَدْ يُقَالُ: هَذَا عَاصٍ ظَالِمٌ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ، وَالِالْتِزَامِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ الْمُخْطِئِينَ فِي تَأْوِيلِهِ الْعَفْوُ عَنْ هَذَا. وَقَدْ يُقَالُ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الدَّلِيلِ وَالْقِيَاسِ: لَيْسَ هَذَا بِأَسْوَإِ حَالٍ مِنْ الْكَافِرِ الْمُعَانِدِ الَّذِي تَرَكَ الْقُرْآنَ كِبْرًا وَحَسَدًا وَهَوًى، أَوْ سَمِعَهُ وَتَدَبَّرَهُ وَاسْتَيْقَنَتْ نَفْسُهُ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَكِنْ جَحَدَ ذَلِكَ ظُلْمًا وَعُلُوًّا: كَحَالِ فِرْعَوْنَ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يُكَذِّبُونَك، وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ. وَالتَّوْبَةُ كَالْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الَّذِي قَالَ: {الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ} هُوَ الَّذِي قَالَ: {التَّوْبَةُ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا} وَذَلِكَ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ