أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِمْ فَالْأَمْرُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَظْهَرُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّوْثَ النَّجِسَ إذَا صَارَ رَمَادًا وَنَحْوَهُ فَهُوَ طَاهِرٌ وَمَا يَقَعُ فِي الْمَلَّاحَةِ مِنْ دَمٍ وَمَيْتَةٍ وَنَحْوِهِمَا إذَا صَارَ مِلْحًا فَهُوَ طَاهِرٌ. وَقَدْ اتَّفَقُوا جَمِيعُهُمْ أَنَّ الْخَمْرَ إذَا اسْتَحَالَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَصَارَتْ خَلًّا طَهُرَتْ. وَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَسَائِرُ الْأَعْيَانِ إذَا انْقَلَبَتْ يَقِيسُونَهَا عَلَى الْخَمْرِ الْمُنْقَلِبَةِ. وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا يَعْتَذِرُ بِأَنَّ الْخَمْرَ نَجُسَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ فَطَهُرَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ كَانَ طَاهِرًا فَلَمَّا اسْتَحَالَ خَمْرًا نَجِسَ فَإِذَا اسْتَحَالَ خَلًّا طَهُرَ. وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ جَمِيعَ النَّجَاسَاتِ إنَّمَا نَجِسَتْ أَيْضًا بِالِاسْتِحَالَةِ؛ فَإِنَّ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ يَتَنَاوَلُهُ الْحَيَوَانُ طَاهِرًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ ثُمَّ يَمُوتُ فَيُنَجَّسُ وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ وَالْكَلْبُ وَالسِّبَاعُ أَيْضًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَتِهَا إنَّمَا خُلِقَتْ مِنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ الطَّاهِرَيْنِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَلَّ وَالْمِلْحَ وَنَحْوَهُمَا أَعْيَانٌ طَيِّبَةٌ طَاهِرَةٌ دَاخِلَةٌ فِي قَوْله تَعَالَى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} فَلِلْمُحَرَّمِ الْمُنَجَّسِ لَهَا أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ حَرَّمَهَا لِكَوْنِهَا دَاخِلَةً فِي الْمَنْصُوصِ أَوْ لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى الدَّاخِلَةِ فِيهِ فَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُنْتَفٍ؛ فَإِنَّ النَّصَّ لَا يَتَنَاوَلُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute