وَكَذَلِكَ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا أَبْطَأَ عَلَيْهِ خَبَرُ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ قَنَتَ وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَنَتَ لَمَّا حَارَبَ مَنْ حَارَبَ مِنْ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ. قَالُوا: وَلَيْسَ التَّرْكُ نَسْخًا فَإِنَّ النَّاسِخَ لَا بُدَّ أَنْ يُنَافِيَ الْمَنْسُوخَ وَإِذَا فَعَلَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرًا لِحَاجَةِ ثُمَّ تَرَكَهُ لِزَوَالِهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَسْخًا بَلْ لَوْ تَرَكَهُ تَرْكًا مُطْلَقًا لَكَانَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لَا عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْفِعْلِ. قَالُوا: وَنَعْلَمُ مُطْلَقًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقْنُتُ قُنُوتًا رَاتِبًا فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ قَطُّ أَنَّهُ دَعَا فِي قُنُوتِهِ فِي الْفَجْرِ وَنَحْوِهَا إلَّا لِقَوْمِ أَوْ عَلَى قَوْمٍ وَلَا نَقَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطُّ أَنَّهُ قَنَتَ دَائِمًا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَا أَنَّهُ قَنَتَ دَائِمًا يَدْعُو قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْقُنُوتَ الرَّاتِبَ فَإِذَا عُلِمَ هَذَا عُلِمَ قَطْعًا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كَمَا يُعْلَمُ: " أَنَّ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ " لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَذَانِ الرَّاتِبِ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لِعَارِضِ تَحْضِيضًا لِلنَّاسِ عَلَى الصَّلَاةِ فَهَذَا الْقَوْلُ أَوْسَطُ الْأَقْوَالِ وَهُوَ أَنَّ الْقُنُوتَ مَشْرُوعٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ؛ لَكِنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلْحَاجَةِ النَّازِلَةِ لَا سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ. وَهَذَا أَصْلٌ آخَرُ فِي الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّات كَالْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي مَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّات الرَّاتِبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute