للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَالْقُنُوتُ هُوَ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الطَّاعَةِ وَهَذَا يَكُونُ فِي الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ إدَامَةُ الْقِيَامِ كَمَا قِيلَ: فِي قَوْلِهِ: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} فَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى إطَالَتِهِ الْقِيَامَ لِلدُّعَاءِ دُونَ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْقِيَامِ لَهُ قَانِتِينَ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَقِيَامُ الدُّعَاءِ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لَا يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ الْقَائِمَ فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ هُوَ قَانِتٌ لِلَّهِ أَيْضًا. وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: {أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ أُمِرُوا بِالسُّكُوتِ وَنُهُوا عَنْ الْكَلَامِ} . فَعُلِمَ أَنَّ السُّكُوتَ هُوَ مِنْ تَمَامِ الْقُنُوتِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْقِيَامِ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى. سَوَاءٌ كَانَتْ الْفَجْرَ أَوْ الْعَصْرَ؛ بَلْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فَيَكُونُ أَمْرًا بِالْقُنُوتِ مَعَ الْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ وَالْمُحَافَظَةُ تَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ فَالْقِيَامُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا: بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِي عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا} قَالُوا: وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: {ثُمَّ تَرَكَهُ} أَرَادَ تَرْكَ الدُّعَاءِ عَلَى تِلْكَ