للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِثْلُ هَذِهِ الطُّرُقِ هِيَ الَّتِي كَانَ يَسْتَعْمِلُهَا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَطَالِبِ كَمَا اسْتَعْمَلَ نَحْوَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَمَنْ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ فِي تَقْرِيرِ " أُصُولِ الدِّينِ " مِنْ مَسَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَالْمُعَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَخْبَرَ بِالْمُعَادِ؛ وَالْعِلْمُ بِهِ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ بِإِمْكَانِهِ فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ إمْكَانَهُ أَتَمَّ بَيَانٍ؛ وَلَمْ يَسْلُكْ فِي ذَلِكَ مَا يَسْلُكُهُ " طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ " حَيْثُ يُثْبِتُونَ الْإِمْكَانَ الْخَارِجِيَّ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ الذِّهْنِيِّ فَيَقُولُونَ: هَذَا مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ وُجُودَهُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَقْدِيرِ وُجُودِهِ مُحَالٌ فَإِنَّ الشَّأْنَ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقْدِيرِ وُجُودِهِ مُحَالٌ. وَالْمُحَالُ هُنَا أَعَمُّ مِنْ الْمُحَالِ لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَالْإِمْكَانُ الذِّهْنِيُّ حَقِيقَتُهُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ. وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِالْإِمْكَانِ الْخَارِجِيِّ؛ بَلْ يَبْقَى الشَّيْءُ فِي الذِّهْنِ غَيْرَ مَعْلُومِ الِامْتِنَاعِ. وَلَا مَعْلُومِ الْإِمْكَانِ الْخَارِجِيِّ وَهَذَا هُوَ الْإِمْكَانُ الذِّهْنِيُّ. فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَكْتَفِ فِي بَيَانِ إمْكَانِ الْمُعَادِ بِهَذَا. إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مُمْتَنِعًا وَلَوْ لِغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الذِّهْنُ امْتِنَاعَهُ؛ بِخِلَافِ الْإِمْكَانِ الْخَارِجِيِّ. فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا. وَالْإِنْسَانُ يَعْلَمُ الْإِمْكَانَ الْخَارِجِيَّ: تَارَةً بِعِلْمِهِ بِوُجُودِ الشَّيْءِ وَتَارَةً بِعِلْمِهِ بِوُجُودِ نَظِيرِهِ وَتَارَةً بِعِلْمِهِ بِوُجُودِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ فَإِنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا هُوَ دُونَهُ أَوْلَى بِالْإِمْكَانِ مِنْهُ.