للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْقَطْعِ؟ فَيُقَالُ: الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلُ.

فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْخَبَرِيَّةَ الَّتِي قَدْ يُسَمُّونَهَا مَسَائِلَ الْأُصُولِ يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهَا جَمِيعِهَا وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ فِيهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ يُفِيدُ الْيَقِينَ، وَقَدْ يُوجِبُونَ الْقَطْعَ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ: خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا. ثُمَّ هُمْ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَمَّا أَوْجَبُوهُ فَإِنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَحْتَجُّونَ فِيهَا بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي يَزْعُمُونَهَا قَطْعِيَّاتٍ وَتَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْأُغْلُوطَاتِ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ الظَّنِّيَّاتِ؛ حَتَّى إنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كَثِيرًا مَا يَقْطَعُ بِصِحَّةِ حُجَّةٍ فِي مَوْضِعٍ وَيَقْطَعُ بِبُطْلَانِهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَلْ مِنْهُمْ مَنْ غَايَةُ كَلَامِهِ كَذَلِكَ؛ وَحَتَّى قَدْ يَدَّعِي كُلٌّ مِنْ الْمُتَنَاظِرَيْنِ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِنَقِيضِ مَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ. وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ فِيهِ الْعِلْمَ وَالْيَقِينَ وَجَبَ فِيهِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَقَوْلِهِ {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} وَكَذَلِكَ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ الْإِيمَانَ بِهِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْوُجُوبَ مُعَلَّقٌ بِاسْتِطَاعَةِ الْعَبْدِ كَقَوْلِهِ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ} أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.