للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي قَصْرِ أَهْلِ مَكَّةَ خَلْفَهُ فَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ النُّسُكِ فَلَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ سَفَرًا قَصِيرًا هُنَاكَ وَقِيلَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ السَّفَرِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَد. وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَصَرُوا لِأَجْلِ سَفَرِهِمْ وَلِهَذَا لَمْ يَكُونُوا يَقْصُرُونَ بِمَكَّةَ وَكَانُوا مُحْرِمِينَ وَالْقَصْرُ مُعَلَّقٌ بِالسَّفَرِ وُجُودًا وَعَدَمًا فَلَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إلَّا مُسَافِرٌ وَكُلُّ مُسَافِرٍ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَمَا {قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ النَّحْرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْجُمْعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ نَقْصٍ: أَيْ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ ". وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يَخْتَصُّ بِسَفَرٍ دُونَ سَفَرٍ؟ أَمْ يَجُوزُ فِي كُلِّ سَفَرٍ؟ وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي كُلِّ سَفَرٍ قَصِيرًا كَانَ أَوْ طَوِيلًا كَمَا قَصَرَ أَهْلُ مَكَّةَ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ وَمِنًى وَبَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَةَ نَحْوُ بَرِيدٍ أَرْبَعِ فَرَاسِخَ. وَأَيْضًا فَلَيْسَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَخُصَّانِ بِسَفَرٍ دُونَ سَفَرٍ لَا بِقَصْرٍ وَلَا بِفِطْرِ وَلَا تَيَمُّمٍ وَلَمْ يَحُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ بِحَدِّ لَا زَمَانِيٍّ وَلَا مَكَانِيٍّ وَالْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ فِي ذَلِكَ مُتَعَارِضَةٌ