بَرِيدٌ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ؛ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَد كَأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ: إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِهِ: أَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَقِّتْ لِلْقَصْرِ مَسَافَةً وَلَا وَقْتًا وَقَدْ قَصَرَ خَلْفَهُ أَهْلُ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي الدَّلِيلِ. وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ سَفَرًا. مِثْلَ أَنْ يَتَزَوَّدَ لَهُ وَيَبْرُزَ لِلصَّحْرَاءِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مِثْلِ دِمَشْقَ وَهُوَ يَنْتَقِلُ مِنْ قُرَاهَا الشَّجَرِيَّةِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ كَمَا يَنْتَقِلُ مِنْ الصالحية إلَى دِمَشْقَ فَهَذَا لَيْسَ بِمُسَافِرِ كَمَا أَنَّ مَدِينَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْقُرَى الْمُتَقَارِبَةِ عِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ نَخِيلُهُمْ وَمَقَابِرُهُمْ وَمَسَاجِدُهُمْ قُبَاء وَغَيْرِ قُبَاء وَلَمْ يَكُنْ خُرُوجُ الْخَارِجِ إلَى قُبَاء سَفَرًا وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَقْصُرُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} فَجَمِيعُ الْأَبْنِيَةِ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْمَدِينَةِ وَمَا خَرَجَ عَنْ أَهْلِهَا فَهُوَ مِنْ الْأَعْرَابِ أَهْلِ الْعَمُودِ. وَالْمُنْتَقِلُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ نَاحِيَةٍ إلَى نَاحِيَةٍ لَيْسَ بِمُسَافِرِ وَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَلَكِنَّ هَذِهِ مَسَائِلُ اجْتِهَادٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute