للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَصْرٍ؛ وَلَكِنْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كالخرقي وَالْقَاضِي. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُ فَقَالُوا: إنَّمَا يُوَافِقُ مُطْلَقَ نُصُوصِهِ. وَقَالُوا لَا يُشْتَرَطُ لِلْجَمْعِ وَلَا لِلْقَصْرِ نِيَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ: كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا؛ بَلْ قَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ قَبْل مَغِيبِ الشَّفَقِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ والمروذي وَذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَمْعِ نِيَّةٌ.

وَلَا تُشْتَرَطُ أَيْضًا " الْمُقَارَنَةُ " فَإِنَّهُ لَمَّا أَبَاحَ أَنْ تُصَلَّى الْعِشَاءُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُرَادَ بِهِ الشَّفَقُ الْأَبْيَضُ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ الْمُتَوَاتِرَ عَنْهُ أَنَّ الْمُسَافِرَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِهَا عِنْدَهُ وَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ عِنْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا لَهَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ بَلْ فِي وَقْتِهَا الْخَاصِّ. وَأَمَّا فِي الْحَضَرِ فَاسْتَحَبَّ تَأْخِيرَهَا إلَى أَنْ يَغِيبَ الْأَبْيَضُ قَالَ: لِأَنَّ الْحُمْرَةَ قَدْ تَسْتُرُهَا الْحِيطَانُ فَيَظُنُّ أَنَّ الْأَحْمَرَ قَدْ غَابَ وَلَمْ يَغِبْ فَإِذَا غَابَ الْبَيَاضُ تَيَقَّنَ مَغِيبَ الْحُمْرَةِ. فَالشَّفَقُ عِنْدَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْحُمْرَةُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الشَّكُّ فِي الْحَضَرِ لِاسْتِتَارِ الشَّفَقِ بِالْحِيطَانِ احْتَاطَ بِدُخُولِ الْأَبْيَضِ. فَهَذَا مَذْهَبُهُ الْمُتَوَاتِرُ مِنْ نُصُوصِهِ الْكَثِيرَةِ.