للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَحُدَّ السَّفَرَ بِمَسَافَةٍ طَوِيلَةٍ؛ وَلَكِنْ اعْتَبَرَ أَمْرًا آخَرَ كَالْأَعْمَالِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُحَدُّ بِمَسَافَةِ وَلَا زَمَانٍ لَكِنْ بِعُمُومِ الْوِلَايَاتِ وَخُصُوصِهَا: مِثْلَ مَنْ كَانَ بِدِمَشْقَ فَإِذَا سَافَرَ إلَى مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ أَعْمَالِهَا كَانَ مُسَافِرًا. وَأَصْحَابُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كَأَنَّهُمْ رَأَوْا مَا رُخِّصَ فِيهِ لِلْمُسَافِرِ إنَّمَا رُخِّصَ فِيهِ لِلْمَشَقَّةِ الَّتِي تَلْحَقُهُ فِي السَّفَرِ وَاحْتِيَاجِهِ إلَى الرُّخْصَةِ وَعَلِمُوا أَنَّ الْمُتَنَقِّلَ فِي الْمِصْرِ الْوَاحِدِ مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ لَيْسَ بِمُسَافِرِ وَكَذَلِكَ الْخَارِجُ إلَى مَا حَوْلَ الْمِصْرِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إلَى قُبَاء كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَلَمْ يَكُنْ يَقْصُرُ وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ كَانُوا يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ الْعَوَالِي وَلَمْ يَكُونُوا يَقْصُرُونَ. فَكَانَ الْمُتَنَقِّلُ فِي الْعَمَلِ الْوَاحِدِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ عِنْدَهُمْ. وَهَؤُلَاءِ يُحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِقَصْرِ أَهْلِ مَكَّةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى مَعَ أَنَّ هَذِهِ تَابِعَةٌ لِمَكَّةَ وَمُضَافَةٌ إلَيْهَا وَهِيَ أَكْثَرُ تَبَعًا لَهَا مِنْ السَّوَادِ لِلْكُوفَةِ وَأَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهَا؛ فَإِنَّ بَيْنَ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَمَوْقِفِ الْإِمَامِ بِعَرَفَةَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الَّتِي فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ يُرِيدُ بِهَذِهِ الْمَسَافَةِ وَهَذَا السَّيْرِ وَهُمْ مُسَافِرُونَ وَإِذَا قِيلَ: الْمَكَانُ الَّذِي يُسَافِرُونَ إلَيْهِ لَيْسَ بِمَوْضِعِ مُقَامٍ. قِيلَ: بَلْ كَانَ هُنَاكَ قَرْيَةُ نَمِرَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْزِلْ بِهَا وَكَانَ بِهَا أَسْوَاقٌ وَقَرِيبٌ مِنْهَا عرنة الَّتِي تَصِلُ وَادِيَهَا بِعَرَفَةَ وَلِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ