مِنْ الْمَدِينَةِ. وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَسَافَةٍ مَحْدُودَةٍ؛ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ فِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ لَوْ سَافَرَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا وَالْمُسَافِرُ عَنْ الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ إذَا سَافَرَ مِثْلَ ذَلِكَ كَانَ مُسَافِرًا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بُقْعَةً يُسَافِرُ مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ فَإِذَا كَانَ مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ صَحْرَاءَ لَا مَسَاكِنَ فِيهَا يَحْمِلُ فِيهَا الزَّادَ وَالْمَزَادَ فَهُوَ مُسَافِرٌ وَإِنْ وَجَدَ الزَّادَ وَالْمَزَادَ بِالْمَكَانِ الَّذِي يَقْصِدُهُ. وَكَانَ عُثْمَانُ جَعَلَ حُكْمَ الْمَكَانِ الَّذِي يَقْصِدُهُ حُكْمَ طَرِيقِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْدَمَ فِيهِ الزَّادَ وَالْمَزَادَ وَخَالَفَهُ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَقَوْلُهُمْ أَرْجَحُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ بِمَكَّةَ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ وَفِيهَا الزَّادُ وَالْمَزَادُ وَإِذَا كَانَتْ مِنًى قَرْيَةً فِيهَا زَادٌ وَمَزَادٌ فَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ صَحْرَاءُ يَكُونُ مُسَافِرًا مَنْ يَقْطَعُهَا كَمَا كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَلَكِنَّ عُثْمَانَ قَدْ تَأَوَّلَ فِي قَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ أَنَّهُ كَانَ خَائِفًا لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ وَالْكُفَّارُ كَثِيرُونَ وَكَانَ قَدْ بَلَغَهُ أَنَّ هَوَازِنَ جَمَعَتْ لَهُ وَعُثْمَانُ يُجَوِّزُ الْقَصْرَ لِمَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ عَدُوٍّ وَهَذَا كَمَا يُحْكَى عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْمُتْعَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا خَائِفِينَ. وَخَالَفَهُ عَلِيٌّ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَقَوْلُهُمْ هُوَ الرَّاجِحُ. فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ آمِنًا لَا يَخَافُ إلَّا اللَّهَ وَقَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute