بِالْمُجْمَلِ الْعَامِّ ثُمَّ إنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا كَانَ مُخْطِئًا يُغْفَرُ لَهُ خَطَؤُهُ؛ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ وَلَا عُدْوَانٌ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْعُلَمَاءِ مِنْ الِاعْتِقَادِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى آحَادِ الْعَامَّةِ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ نَشَأَ بِدَارِ عِلْمٍ وَإِيمَانٍ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ نَشَأَ بِدَارِ جَهْلٍ. وَأَمَّا مَا عَلِمَ ثُبُوتَهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ دُونَ الرِّسَالَةِ؛ فَهَذَا لَا يُعَاقَبُ إنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ. وَأَمَّا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ: إنَّ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةَ بِالْعَقْلِ هِيَ الَّتِي يَجِبُ الْإِقْرَارُ بِهَا؛ وَيَكْفُرُ تَارِكُهَا بِخِلَافِ مَا ثَبَتَ بِالسَّمْعِ؛ فَإِنَّهُمْ تَارَةً يَنْفُونَهُ وَتَارَةً يَتَأَوَّلُونَهُ أَوْ يُفَوِّضُونَ مَعْنَاهُ وَتَارَةً يُثْبِتُونَهُ لَكِنْ يَجْعَلُونَ الْإِيمَانَ وَالْكُفْرَ مُتَعَلِّقًا بِالصِّفَاتِ الْعَقْلِيَّةِ فَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا إذْ الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ هُمَا مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالرِّسَالَةِ؛ وَبِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ؛ لَا بِمُجَرَّدِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ عِلْمُهُ؟ فَهَذَا أَيْضًا يَتَنَوَّعُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَيَعْلَمَ مَا أَمَرَ بِالْإِيمَانِ بِهِ؟ وَمَا أَمَرَ بِعِلْمِهِ؛ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ لَهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ عِلْمِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَا يَحُجُّ بِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ عِلْمِ الْحَجِّ وَكَذَلِكَ أَمْثَالُ ذَلِكَ. وَيَجِبُ عَلَى عُمُومِ الْأُمَّةِ عِلْمُ جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ بِحَيْثُ لَا يَضِيعُ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي بَلَّغَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ شَيْءٌ وَهُوَ مَا دَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute