كَخُرُوجِهِمْ إلَى قُبَاء وَالْعَوَالِي وَأُحُدٍ وَدُخُولِهِمْ لِلْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ. وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ مَسَاكِنِ الْمَدِينَةِ عَنْ مَسْجِدِهِ أَبْعَدَ مِنْ مِيلٍ فَإِنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ حَتَّى كَانَ الرَّجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِهِ لِبُعْدِ الْمَكَانِ يَتَنَاوَبَانِ الدُّخُولَ يَدْخُلُ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا كَمَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَصَاحِبُهُ الْأَنْصَارِيُّ يَدْخُلُ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: لَوْ خَرَجْت مِيلًا قَصَرْت الصَّلَاةَ. هُوَ كَقَوْلِهِ: إنِّي لَأُسَافِرُ السَّاعَةَ مِنْ النَّهَارِ فَأَقْصُرُ وَهَذَا إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يَقْطَعُهُ مِنْ الْمَسَافَةِ الَّتِي يَقْصِدُهَا فَيَكُونُ قَصْدُهُ إنِّي لَا أُؤَخِّرُ الْقَصْرَ إلَى أَنْ أَقْطَعَ مَسَافَةً طَوِيلَةً وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَنْ يَقُولُ إذَا سَافَرَ نَهَارًا لَمْ يَقْصُرْ إلَى اللَّيْلِ. وَقَدْ احْتَجَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَؤُلَاءِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ وَقَدْ يُحْمَلُ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى هَذَا لَكِنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَوْ يَكُونُ مُرَادُ ابْنِ عُمَرَ مَنْ سَافَرَ قَصَرَ وَلَوْ كَانَ قَصْدُهُ هَذِهِ الْمَسَافَةَ إذَا كَانَ فِي صَحْرَاءَ بِحَيْثُ يَكُونُ مُسَافِرًا لَا يَكُونُ مُتَنَقِّلًا بَيْنَ الْمَسَاكِنِ؛ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُسَافِرٍ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ هَذَا مُسَافِرٌ فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ فَهُوَ أَيْضًا مُسَافِرٌ فَالتَّحْدِيدُ بِالْمَسَافَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute