وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِقَوْلِهِ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} - إلَى قَوْلِهِ - {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} فَجَعَلَ إتْيَانَهُمْ إلَى الْمَشَاعِرِ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ. وَلَوْ أَرَادَ الْأُضْحِيَّةَ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَشَاعِرِ بِهَذَا اخْتِصَاصٌ؛ فَإِنَّ الْأُضْحِيَّةَ مَشْرُوعَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِنَا: بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ فِي جَمِيعِ الْعَشْرِ فِي الْأَمْصَارِ. فَيُقَالُ: لِمَ خَصَّ ذَلِكَ بِالْإِتْيَانِ إلَى الْمَشَاعِرِ؟ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى ذِكْرَ اللَّهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ يُسَاقُ إلَى مَكَّةَ لَكِنْ عِنْدَهُ يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدْيِ مَتَى وَصَلَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِتَوْقِيتِهِ بِالْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ. وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الذَّبْحَ بِالْمَشَاعِرِ أَصْلٌ وَبَقِيَّةُ الْأَمْصَارِ تَبَعٌ لِمَكَّةَ وَلِهَذَا كَانَ عِيدُ النَّحْرِ الْعِيدَ الْأَكْبَرَ وَيَوْمُ النَّحْرِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهِ عِيدُ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ. الثَّانِي: أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ هُنَاكَ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ جَمِيعًا بِخِلَافِ غَيْرِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْأُضْحِيَّةُ. وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ فَإِنَّ الْهَدْيَ عِنْدَنَا مُؤَقَّتٌ فَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَمْ يَنْحَرْهُ إلَّا عِنْدَ الْإِحْلَالِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فِي حَجَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute