للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْعَمَلُ؛ لَكِنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقِلًّا بِذَلِكَ؛ بَلْ هُوَ غَرِيزَةٌ فِي النَّفْسِ وَقُوَّةٌ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ قُوَّةِ الْبَصَرِ الَّتِي فِي الْعَيْنِ؛ فَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ نُورُ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ كَانَ كَنُورِ الْعَيْنِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ نُورُ الشَّمْسِ وَالنَّارِ. وَإِنْ انْفَرَدَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُبْصِرْ الْأُمُورَ الَّتِي يَعْجِزُ وَحْدَهُ عَنْ دَرْكِهَا وَإِنْ عُزِلَ بِالْكُلِّيَّةِ: كَانَتْ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ مَعَ عَدَمِهِ: أُمُورًا حَيَوَانِيَّةً قَدْ يَكُونُ فِيهَا مَحَبَّةٌ وَوَجْدٌ وَذَوْقٌ كَمَا قَدْ يَحْصُلُ لِلْبَهِيمَةِ. فَالْأَحْوَالُ الْحَاصِلَةُ مَعَ عَدَمِ الْعَقْلِ نَاقِصَةٌ وَالْأَقْوَالُ الْمُخَالِفَةُ لِلْعَقْلِ بَاطِلَةٌ. وَالرُّسُلُ جَاءَتْ بِمَا يَعْجِزُ الْعَقْلُ عَنْ دَرْكِهِ. لَمْ تَأْتِ بِمَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ امْتِنَاعُهُ لَكِنْ الْمُسْرِفُونَ فِيهِ قَضَوْا بِوُجُوبِ أَشْيَاءَ وَجَوَازِهَا وَامْتِنَاعِهَا لِحُجَجِ عَقْلِيَّةٍ بِزَعْمِهِمْ اعْتَقَدُوهَا حَقًّا وَهِيَ بَاطِلٌ وَعَارَضُوا بِهَا النُّبُوَّاتِ وَمَا جَاءَتْ بِهِ وَالْمُعْرِضُونَ عَنْهُ صَدَّقُوا بِأَشْيَاءَ بَاطِلَةٍ وَدَخَلُوا فِي أَحْوَالٍ وَأَعْمَالٍ فَاسِدَةٍ وَخَرَجُوا عَنْ التَّمْيِيزِ الَّذِي فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَنِي آدَمَ عَلَى غَيْرِهِمْ. وَقَدْ يَقْتَرِبُ مِنْ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ تَارَةً بِعَزْلِ الْعَقْلِ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَتَارَةً بِمُعَارَضَةِ السُّنَنِ بِهِ. فَهَذَا الِانْحِرَافُ الَّذِي بَيْنَ الْحَرْفِيَّةِ وَالصَّوْتِيَّةِ فِي الْعَقْلِ التَّمْيِيزِيِّ بِمَنْزِلَةِ الِانْحِرَافِ الَّذِي بَيْنَهُمْ فِي الْوَجْدِ الْقَلْبِيِّ فَإِنَّ الصَّوْتِيَّةَ صَدَّقُوا وَعَظَّمُوهُ وَأَسْرَفُوا