الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا وَأَهْلُ الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ كُلِّهَا؛ لَكِنْ مَعَ هَذَا قَدْ يَخْفَى كَثِيرٌ مِنْ مَقَالَاتِهِمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ لِمَا يُورِدُونَهُ مِنْ الشُّبُهَاتِ. وَيَكُونُ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ مُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛ وَإِنَّمَا الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ وَاشْتَبَهَ هَذَا كَمَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الْمُبْتَدِعَةِ فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا كُفَّارًا قَطْعًا بَلْ قَدْ يَكُونُ مِنْهُمْ الْفَاسِقُ وَالْعَاصِي؛ وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُمْ الْمُخْطِئُ الْمَغْفُورُ لَهُ؛ وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى مَا يَكُونُ مَعَهُ بِهِ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ بِقَدْرِ إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ. وَأَصْلُ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِي فَارَقُوا بِهِ الْخَوَارِجَ وَالْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةَ وَالْمُرْجِئَةَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَتَفَاضَلُ وَيَتَبَعَّضُ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ} وَحِينَئِذٍ فَتَتَفَاضَلُ وِلَايَةُ اللَّهِ وَتَتَبَعَّضُ بِحَسَبِ ذَلِكَ. وَإِذَا عُرِفَ أَصْلُ الْبِدَعِ فَأَصْلُ قَوْلِ الْخَوَارِجِ أَنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ بِالذَّنْبِ، وَيَعْتَقِدُونَ ذَنْبًا مَا لَيْسَ بِذَنْبِ، وَيَرَوْنَ اتِّبَاعَ الْكِتَابِ دُونَ السُّنَّةِ الَّتِي تُخَالِفُ ظَاهِرَ الْكِتَابِ - وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً - وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ وَيَسْتَحِلُّونَ مِنْهُ لِارْتِدَادِهِ عِنْدَهُمْ مَا لَا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنْ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ {يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ} وَلِهَذَا كَفَّرُوا عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَشِيعَتَهُمَا؛ وَكَفَّرُوا أَهْلَ صفين - الطَّائِفَتَيْنِ - فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَالَاتِ الْخَبِيثَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute