للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالْهِلَالُ اسْمٌ لِمَا يُهَلُّ بِهِ: أَيْ يُصَاتُ بِهِ وَالتَّصْوِيتُ بِهِ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ إدْرَاكِهِ بِبَصَرٍ أَوْ سَمْعٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

يُهِلُّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا … كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ الْمُعْتَمِرُ

أَيْ: يُصَوِّتُونَ بِالْفَرْقَدِ فَجَعَلَهُمْ مُهِلِّينَ بِهِ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ هِلَالًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} أَيْ صُوِّتَ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّصْوِيتُ بِهِ رَفِيعًا أَوْ خَفِيضًا فَإِنَّهُ مِمَّا تُكُلِّمَ بِهِ وَجُهِرَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ. وَنُطِقَ بِهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَهَا مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ وَلَا تَكُونُ مَوَاقِيتَ لَهُمْ إلَّا إذَا أَدْرَكُوهَا بِبَصَرٍ أَوْ سَمْعٍ فَإِذَا انْتَفَى الْإِدْرَاكُ انْتَفَى التَّوْقِيتُ فَلَا تَكُونُ أَهِلَّةً وَهُوَ غَايَةُ مَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ مِنْ جِهَةِ الْحِسِّ إذْ ضَبْطُ مَكَانِ الطُّلُوعِ بِالْحِسَابِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَقَدْ صَنَّفْت فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَيْهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي قُوَى الْبَشَرِ أَنْ يَضْبُطُوا لِلرُّؤْيَةِ زَمَانًا وَمَكَانًا مَحْدُودًا وَإِنَّمَا يَضْبُطُونَ مَا يُدْرِكُونَهُ بِأَبْصَارِهِمْ أَوْ مَا يَسْمَعُونَهُ بِآذَانِهِمْ فَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ تَعْلِيقَهُ فِي حَقِّ مَنْ رَأَى بِالرُّؤْيَةِ فَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَ بِالسَّمَاعِ وَمَنْ لَا رُؤْيَةَ لَهُ وَلَا سَمَاعَ فَلَا إهْلَالَ لَهُ وَاَللَّهُ هُوَ الْمَسْئُولُ أَنْ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ.