وَأَمَّا يَوْمُ الصَّحْوِ عِنْدَهُ: فَيَوْمُ شَكٍّ أَوْ يَقِينٍ مِنْ شَعْبَانَ يُنْهَى عَنْ صَوْمِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ. وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ أَدَلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْهَا عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ الْمَشْكُوكَ فِي وُجُوبِهِ - كَمَا لَوْ شَكَّ فِي وُجُوبِ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - لَا يَجِبُ فِعْلُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ احْتِيَاطًا. فَلَمْ تُحَرِّمْ أُصُولُ الشَّرِيعَةِ الِاحْتِيَاطَ وَلَمْ تُوجِبْ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ كَأَوَّلِ النَّهَارِ. وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ النَّهَارِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِقَصْدِ الصَّوْمِ وَلِأَنَّ الْإِغْمَامَ أَوَّلَ الشَّهْرِ كَالْإِغْمَامِ بِالشَّكِّ بَلْ يُنْهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ لِمَا يَخَافُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْفَرْضِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: يَجْتَمِعُ غَالِبُ الْمَأْثُورِ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْبَابِ. فَإِنَّ الْجَمَاعَاتِ الَّذِينَ صَامُوا مِنْهُمْ - كَعُمَرِ وَعَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِمْ - لَمْ يُصَرِّحُوا بِالْوُجُوبِ وَغَالِبُ الَّذِينَ أَفْطَرُوا لَمْ يُصَرِّحُوا بِالتَّحْرِيمِ. وَلَعَلَّ مَنْ كَرِهَ الصَّوْمَ مِنْهُمْ إنَّمَا كَرِهَهُ لِمَنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ: خَشْيَةَ إيجَابِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبِ. كَمَا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ مِنْهُمْ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ لِمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَهُ وَكَمَا أَمَرَ طَائِفَةً مِنْهُمْ مَنْ صَامَ فِي السَّفَرِ أَنْ يَقْضِيَ؛ لِمَا ظَنُّوهُ بِهِ مِنْ كَرَاهَةِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ عَائِدَةً إلَى حَالِ الْفَاعِلِ لَا إلَى نَفْسِ الِاحْتِيَاطِ بِالصَّوْمِ. فَإِنَّ تَحْرِيمَ الصَّوْمِ أَوْ إيجَابَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute