قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٢٠٦):هنا أمران:الأمر الأول: أنه قد حصل سقط كبير من هذا الموضع، يدل عليه أمران:أحدهما: المكان الذي أشار إليه الجامع رحمه الله بقوله [كذا بالأصل]، فإنه انتقل الكلام فيه من تقرير شيخ الإسلام رحمه الله عن أن سوق الهدي هو المانع من التحلل، إلى ذكر طرف من حديث جابر رضي الله عنه الطويل في الحج وفيه (فقلنا: لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا. . .)، مما يدل على وجود سقط بين الموضعين.والثاني: أنه ذكر هنا (الوجه الثالث) في الرد على من قال (إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالعمرة ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج)، ثم إنه لم يرد ذكر للوجه الرابع، ولا الوجه الخامس، ثم ذكر الوجه السادس بعد الثالث (٢٦/ ٥٧) وهذا يدل على أن السقط كان:١ - لبقية الوجه الثالث.٢ - ولجميع الوجه الرابع.٣ - ولأول الوجه الخامس، وما ذكر من حديث جابر وما بعده فهو باقيه.الأمر الثاني: أنني لم أجد من كلام شيخ الإسلام رحمه الله المطبوع ما يسد هذا النقص، فبحثت في كلام ابن القيم رحمه الله في الحج لعلي أجد فيه ذلك، لأنه كثير النقل عن شيخه، فوجدته إن لم يكن بلفظه، فهو بمعناه، فإن الأوجه التي ذكرها قريبة جدا من نصوص الشيخ عند المقارنة، مما يدل على أنه ينقل منه، وسأنقل كلامه من (الوجه الثالث) وحتى حديث جابر من (الوجه الخامس) من (زادالمعاد) ٢/ ١٩٧ - ١٩٩، قال رحمه الله:(الثّالِثُ: أَنّهُ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ أَنْ يَتَحَلّلَ وَأَمَرَ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلّهُ فَفَرّقَ بَيْنَ مُحْرِمٍ وَمُحْرِمٍ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ سَوْقَ الْهَدْيِ هُوَ الْمَانِعُ مِنْ التّحَلّلِ لَا مُجَرّدُ الْإِحْرَامِ الْأَوّلِ وَالْعِلّةُ الّتِي ذَكَرُوهَا لَا تَخْتَصّ بِمُحْرِمٍ دُونَ مُحْرِمٍ فَالنّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَ التّأْثِيرَ فِي الْحِلّ وَعَدَمِهِ لِلْهَدْيِ وُجُودًا وَعَدَمًا لَا لِغَيْرِهِ.الْرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَصَدَ مُخَالَفَةَ الْمُشْرِكِينَ كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنّ الْفَسْخَ أَفْضَلُ لِهَذِهِ الْعِلّةِ لِأَنّهُ إذَا كَانَ إنّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ كَانَ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى أَنّ الْفَسْخَ يَبْقَى مَشْرُوعًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إمّا وُجُوبًا وَإِمّا اسْتِحْبَابًا، فَإِنّ مَا فَعَلَهُ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَرَعَهُ لِأُمّتِهِ فِي الْمَنَاسِكِ مُخَالَفَةً لِهَدْيِ الْمُشْرِكِينَ هُوَ مَشْرُوعٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إمّا وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا، فَإِنّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشّمْسِ وَكَانُوا لَا يُفِيضُونَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ فَخَالَفَهُمْ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ خَالَفَ هَدْيُنَا هَدْيَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمْ نُفِضْ مِنْ عَرَفَةَ حَتّى غَرَبَتْ الشّمْسُ. وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ إمّا رُكْنٌ كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَإِمّا وَاجِبٌ يَجْبُرُهُ دَمٌ كَقَوْلِ أَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشّافِعِيّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَإِمّا سُنّةٌ كَالْقَوْلِ الْآخَرِ لَهُ. وَالْإِفَاضَةُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ سُنّةٌ بِاتّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ قُرَيْشٌ كَانَتْ لَا تَقِفُ بِعَرَفَةَ بَلْ تُفِيضُ مِنْ جَمْعٍ، فَخَالَفَهُمْ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَوَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَأَفَاضَ مِنْهَا، وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ} وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجّ بِاتّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يَكُونُ فِيهَا مُحَرّمٌ وَكَيْفَ يُقَالُ إنّ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِنُسُكٍ يُخَالِفُ نُسُكَ الْمُشْرِكِينَ مَعَ كَوْنِ الّذِي نَهَاهُمْ عَنْهُ أَفْضَلَ مِنْ الّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ. أَوْ يُقَالُ مَنْ حَجّ كَمَا حَجّ الْمُشْرِكُونَ فَلَمْ يَتَمَتّعْ فَحَجّهُ أَفْضَلُ مِنْ حَجّ السّابِقِينَ الْأَوّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار، بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. الْخَامِسُ أَنّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْهُ أَنّهُ قَالَ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَة وَقِيلَ لَهُ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ " لَا، بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ، دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَانَ سُؤَالُهُمْ عَنْ عُمْرَةِ الْفَسْخِ كَمَا جَاءَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطّوِيلِ. قَالَ حَتّى إذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ، قَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً "، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِك ٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَلِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَشَبّكَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ " دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجّ مَرّتَيْنِ، لَا بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ وَفِي لَفْظٍ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الْحِجّةِ فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلّ فَقُلْنَا: لَمّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلّا خَمْسٌ أَمَرَنَا أَنْ نُفْضِيَ إلَى نِسَائِنَا، فَنَأْتِيَ عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيّ. . .)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute