للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا مِمَّا يُفَرِّقُ بَيْنَ طَوَافِ الْحَائِضِ وَصَلَاةِ الْحَائِضِ فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهَا مَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَقَدْ تَكَلَّفَتْ السَّفَرَ الطَّوِيلَ وَحَمَلَتْ الْإِبِلُ أَثْقَالَهَا إلَى بَلَدٍ لَمْ يَكُنْ النَّاسُ بَالِغِيهِ إلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ. فَأَيْنَ حَاجَةُ هَذِهِ إلَى الطَّوَافِ مِنْ حَاجَتِهَا إلَى الصَّلَاةِ الَّتِي تَسْتَغْنِي عَنْهَا زَمَنَ الْحَيْضِ بِمَا تَفْعَلُهُ زَمَنَ الطُّهْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَائِضَ لَمْ تُمْنَعْ مِنْ الْقِرَاءَةِ لِحَاجَتِهَا إلَيْهَا وَحَاجَتُهَا إلَى هَذَا الطَّوَافِ أَعْظَمُ. وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: الْقُرْآنُ تَقْرَؤُهُ مَعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالطَّوَافُ تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَةُ. قِيلَ لَهُ: هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ عَنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَلَا بُدَّ لَك مِنْ حُجَّةٍ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى فِي الطَّوَافِ. وَالِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ: {الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ} حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَإِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يُشَبَّهَ بِالصَّلَاةِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلَيْسَ الْمُشَبَّهُ كَالْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ فِي اجْتِنَابِ الْمَحْظُورَاتِ الَّتِي تَحْرُمُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَأَمَّا مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَهُوَ الْكَلَامُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْعَمَلُ الْكَثِيرُ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مُبْطِلًا لِلطَّوَافِ وَإِنْ كُرِهَ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَشْغَلُ عَنْ مَقْصُودِهِ كَمَا يُكْرَهُ مِثْلُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ. وَهَذَا كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ} وَقَوْلُهُ: {إذَا خَرَجَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ.