للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَغَيْرِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِطِينَ فِي الطَّوَافِ كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ لَيْسَ مَعَهُمْ حُجَّةٌ إلَّا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ} وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى الطَّائِفِينَ طَهَارَةً وَلَا اجْتِنَابَ نَجَاسَةٍ بَلْ قَالَ: {مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ} وَالطَّوَافُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالطَّوَافُ لَا يَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَحْرُمُ فِيهِ مَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهَا. وَقَدْ ذَكَرُوا مِنْ الْقِيَاسِ أَنَّهَا عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَيْتِ فَكَانَتْ الطَّهَارَةُ وَغَيْرُهَا شَرْطًا فِيهَا كَالصَّلَاةِ وَهَذَا الْقِيَاسُ فَاسِدٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ كَوْنُهَا مُتَعَلِّقَةً بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرُوا دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ. وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ مَا بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ أَوْ دَلِيلُ الْعِلَّةِ. أَيْضًا فَالطَّهَارَةُ إنَّمَا وَجَبَتْ لِكَوْنِهَا صَلَاةً سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِالْبَيْتِ أَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا يُصَلُّونَ إلَى الصَّخْرَةِ كَانَتْ الطَّهَارَةُ أَيْضًا شَرْطًا فِيهَا وَلَمْ تَكُنْ مُتَعَلِّقَةً بِالْبَيْتِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا صَلَّى.