للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِحْرَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ كَانَ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ الْعُمْرَةَ مِنْهَا وَبَعْدَ أَنْ حَصَلَ فِيهَا لِأَجْلِ الْغَزْوِ وَالْغَنَائِمِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحُدَيْبِيَةَ لَمْ يُحْرِمْ مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا قَادِمًا إلَى مَكَّةَ وَلَا خَارِجًا مِنْهَا بَلْ كَانَ مَحِلُّهُ مِنْ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ. وَأَمَّا الْجِعْرَانَةُ فَأَحْرَمَ مِنْهَا لِعُمْرَةِ أَنْشَأَهَا مِنْهَا وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ؛ لَا يَتَنَازَعُ فِيهِ اثْنَانِ مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى خِبْرَةٍ بِسِيرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ. فَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَاعْتَمَرَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ الْجِعْرَانَةِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا مُنْكَرًا لَا يَقُولُهُ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِيرَتِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ غَلِطَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِذَلِكَ عَلَى الْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ طَوَائِفُ مِنْ أَكَابِرِ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ جَمِيعَهُمْ لَمْ يَعْتَمِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَيَاتِهِ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَمَصِيرِهَا دَارَ إسْلَامٍ إلَّا عَائِشَةَ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَعْتَمِرْ أَحَدٌ مِنْهَا قَبْلَ الْفَتْحِ حِين كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ وَكَانَ بِهَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هِجْرَتِهِ إلَى الْمَدِينَةِ وَقَبْلَ هِجْرَتِهِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ مِنْهُ إذْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ مَا زَالَ مَشْرُوعًا مِنْ أَوَّلِ مَبْعَثِ