للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْأَرْضِ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ} فَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ. فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنْ يَسْتَشْفِعُوا إلَى الْكَبِيرِ مِنْ كُبَرَائِهِمْ بِمَنْ يُكَرَّمُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُهُ ذَلِكَ الشَّفِيعُ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ: إمَّا رَغْبَةً وَإِمَّا رَهْبَةً وَإِمَّا حَيَاءً وَإِمَّا مَوَدَّةً وَإِمَّا غَيْرَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ حَتَّى يَأْذَنَ هُوَ لِلشَّافِعِ فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا شَاءَ وَشَفَاعَةُ الشَّافِعِ مِنْ إذْنِهِ فَالْأَمْرُ كُلُّهُ لَهُ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " {لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْت وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ} . فَبَيَّنَ أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا يُكْرِهُهُ أَحَدٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ كَمَا قَدْ يُكْرِهُ الشَّافِعُ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ وَكَمَا يُكْرِهُ السَّائِلُ الْمَسْئُولَ إذَا أَلَحَّ عَلَيْهِ وَآذَاهُ بِالْمَسْأَلَةِ. فَالرَّغْبَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} وَالرَّهْبَةُ تَكُونُ مِنْ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ إجَابَةِ دُعَائِنَا.