للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَسْجِدِهِ فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ؛ فَإِنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا كَانَ عَمَّنْ سَافَرَ لِمُجَرَّدِ زِيَارَةِ قُبُورِهِمْ وَالْعَالِمُ بِالشَّرِيعَةِ لَا يَقَعُ فِي هَذَا فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ قَدْ اسْتَحَبَّ السَّفَرَ إلَى مَسْجِدِهِ وَالصَّلَاةَ فِيهِ وَهُوَ يُسَافِرُ إلَى مَسْجِدِهِ. فَكَيْفَ لَا يَقْصِدُ السَّفَرَ إلَيْهِ فَكُلُّ مَنْ عَلِمَ مَا يَفْعَلُهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَهُ وَإِنَّمَا يَنْتَفِي الْقَصْدُ مَعَ الْجَهْلِ. إمَّا مَعَ الْجَهْلِ بِأَنَّ السَّفَرَ إلَى مَسْجِدِهِ مُسْتَحَبٌّ كَوْنُهُ مَسْجِدَهُ لَا لِأَجْلِ الْقَبْرِ وَإِمَّا مَعَ الْجَهْلِ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ إنَّمَا يَصِلُ إلَى مَسْجِدِهِ. فَأَمَّا مَعَ الْعِلْمِ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ السَّفَرَ إلَى مَسْجِدِهِ. وَلِهَذَا كَانَ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ حُكْمٌ لَيْسَ لِسَائِرِ الْقُبُورِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ. وَأَهْلُ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ يَجْعَلُونَ السَّفَرَ إلَى زِيَارَتِهِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ لَهُمْ مِنْ السَّفَرِ إلَى زِيَارَةِ قَبْرِ مَنْ يُعَظِّمُونَهُ. يُسَافِرُونَ إلَيْهِ لِيَدْعُوهُ وَيَدْعُوا عِنْدَهُ وَيَدْخُلُوا إلَى قَبْرِهِ وَيَقْعُدُوا عِنْدَهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ مَسْجِدٌ بُنِيَ لِأَجْلِ الْقَبْرِ فَيُصَلُّونَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ تَعْظِيمًا لِصَاحِبِ الْقَبْرِ وَهَذَا مِمَّا لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى فِعْلِهِ وَنَهَى أُمَّتَهُ عَنْ فِعْلِهِ فَقَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: {لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ} وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسِ: {إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ