عَلَى هَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ لَا رَيْبَ فِيهِ. وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا إجْمَاعًا عَلَى مَا صَرَّحُوا بِالنَّهْيِ عَنْهُ أَوْ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةِ وَلَا طَاعَةٍ. وَالسَّفَرُ لِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ قَدْ صَرَّحَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: كَالْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لَا يَفْعَلُهُ لَا نَاذِرٌ وَلَا مُتَطَوِّعٌ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ السَّفَرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَإِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدَيْنِ هُوَ مِنْ السَّفَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِنْ نَذَرَهُ سَوَاءٌ سَافَرَ لِزِيَارَةِ أَيِّ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ قَبْرٍ مِنْ قُبُورِهِمْ أَوْ قُبُورِ غَيْرِهِمْ أَوْ مَسْجِدٍ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ: فَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَهُمْ مِنْ السَّفَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ فَكَيْفَ يَقُولُونَ: إنَّهُ قُرْبَةٌ؛ وَلَكِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ اتِّخَاذِهِ قُرْبَةً لَا يُنَاقِضُ النِّزَاعَ فِي الْفِعْلِ الْمُجَرَّدِ. وَهَذَا الْإِجْمَاعُ الْمَحْكِيُّ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ لَا يَقْدَحُ فِيهِ خِلَافُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إنْ وُجِدَ؛ وَلَكِنْ إنْ وُجِدَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصُّلَحَاءِ الْمَعْرُوفِينَ مِنْ السَّلَفِ قَالَ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ السَّفَرُ لِمُجَرَّدِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَوْ لِمُجَرَّدِ زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَانَ هَذَا قَادِحًا فِي هَذَا الْإِجْمَاعِ وَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ؛ وَلَكِنَّ الَّذِي يَحْكِي الْإِجْمَاعَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ كَثِيرًا لِكَثِيرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمَعَ هَذَا فَهَذَا الْقَوْلُ يُرَدُّ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يَجُوزُ إلْزَامُ النَّاسِ بِهِ بِلَا حُجَّةٍ؛ فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute