للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبَيْنَ مَا ابْتَدَعَهُ الضَّالُّونَ مِنْ الْإِشْرَاكِ بِالْمَيِّتِ وَالْحَجِّ إلَى قَبْرِهِ وَدُعَائِهِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَقْصُودُهُ بِزِيَارَتِهِ وَالسَّفَرِ إلَيْهِ أَنَّهُ يَدْعُوهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ لَا أَنَّهُ يَدْعُو لَهُ. وَهَذِهِ الزِّيَارَةُ لَمْ يَفْعَلْهَا الرَّسُولُ وَلَا أَذِنَ فِيهَا قَطُّ؛ فَكَيْفَ بِالسَّفَرِ إلَيْهَا وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْحَجِّ إلَى الطَّوَاغِيتِ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ جَعَلَ زِيَارَةَ الْمَيِّتِ كَزِيَارَتِهِ حَيًّا وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ {الَّذِي زَارَ أَخًا لَهُ فِي الْحَيَاةِ} عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْمَيِّتِ وَهَذِهِ التَّسْوِيَةُ وَالْقِيَاسُ مَا عُرِفَتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ سَافَرُوا إلَى الرَّسُولِ فَسَاعَدُوهُ وَسَمِعُوا كَلَامَهُ وَخَاطَبُوهُ وَسَأَلُوهُ فَأَجَابَهُمْ وَعَلَّمَهُمْ وَأَدَّبَهُمْ وَحَمَّلَهُمْ رَسَائِلَ إلَى قَوْمِهِمْ وَأَمَرَهُمْ بِالتَّبْلِيغِ عَنْهُ: لَا يَكُونُ مِثْلَهُمْ أَحَدٌ بِالْأَعْمَالِ الْفَاضِلَةِ: كَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ. فَكَيْفَ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ ظَاهِرِ حُجْرَتِهِ مِثْلَهُمْ أَوْ تُقَاسُ هَذِهِ الزِّيَارَةُ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ فَقَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ أَنَّ كُلَّ مَا يُفْعَلُ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ حُجْرَتِهِ مِنْ صَلَاةٍ عَلَيْهِ وَسَلَامٍ وَثَنَاءٍ وَإِكْرَامٍ وَذِكْرِ مَحَاسِنَ وَفَضَائِلَ: مُمْكِنٌ فِعْلُهُ فِي سَائِرِ الْأَمَاكِنِ وَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ مِنْ الْأَجْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ كَمَا قَالَ: {لَا تَتَّخِذُوا بَيْتِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ} . وَلَوْ كَانَ لِلْأَعْمَالِ عِنْدَ الْقَبْرِ فَضِيلَةٌ لَفَتَحَ لِلْمُسْلِمِينَ بَابَ الْحُجْرَةِ؛ فَلَمَّا مُنِعُوا مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْقَبْرِ