وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ عَلَى السَّفَر إلَى سَائِرِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ إلَّا السَّفَرَ إلَى نَبِيِّنَا. فَلَمَّا كَانَ السَّفَرُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ مَشْرُوعًا فِي الْجُمْلَةِ قَاسُوا عَلَيْهِ السَّفَرَ إلَى سَائِرِ الْقُبُورِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا وَخَالَفُوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ. وَضَلُّوا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. مِنْهَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ قَبْرُ نَبِيٍّ مَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ وَالْإِجْمَاعِ إلَّا قَبْرُ نَبِيِّنَا وَمَا سِوَاهُ فَفِيهِ نِزَاعٌ. وَمِنْهَا: أَنَّ الَّذِينَ اسْتَحَبُّوا السَّفَرَ إلَى زِيَارَةِ قَبْرِ نَبِيِّنَا مُرَادُهُمْ السَّفَرُ إلَى مَسْجِدِهِ وَهَذَا مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ قَصَدَ الْمُسَافِرُ إلَيْهِ فَهُوَ إنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدُ مُنْتَهَى سَفَرِهِ؛ لَا يَصِلُ إلَى الْقَبْرِ؛ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَصِلُ إلَى الْقَبْرِ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَوَغِّلًا فِي الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ فَيَظُنُّ أَنَّ مَسْجِدَهُ إنَّمَا شُرِعَ السَّفَرُ إلَيْهِ لِأَجْلِ الْقَبْرِ وَأَنَّهُ لِذَلِكَ كَانَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ وَأَنَّهُ لَوْلَا الْقَبْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضِيلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ يَظُنُّ أَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ أَوْ جُعِلَ تَبَعًا لِلْقَبْرِ كَمَا تُبْنَى الْمَسَاجِدُ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَيَظُنُّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ تَبَعٌ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْقَبْرُ كَمَا يَظُنُّ الْمُسَافِرُونَ إلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ غَيْرَ قَبْرِ نَبِيِّنَا وَكَمَا أَنَّ الَّذِي يَذْهَبُ إلَى الْجُمْعَةِ يُصَلِّي إذَا دَخَلَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ؛ وَلَكِنْ هُوَ إنَّمَا جَاءَ لِأَجْلِ الْجُمْعَةِ لَا لِأَجْلِ رَكْعَتَيْ التَّحِيَّةِ. فَمَنْ ظَنَّ هَذَا فِي مَسْجِدِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِنْ أَضَلِّ النَّاسِ وَأَجْهَلِهِمْ بِدِينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute