للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَجُّ وَاجِبًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ؛ وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} هَذَا هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ: أَنَّهُ يُفِيدُ إيجَابَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فَقِيلَ: إنَّهُ يُفِيدُ إيجَابَهُمَا ابْتِدَاءً وَإِتْمَامَهُمَا بَعْدَ الشُّرُوعِ. وَقِيلَ: إنَّمَا يُفِيدُ وُجُوبَ إتْمَامِهِمَا بَعْدَ الشُّرُوعِ لَا إيجَابَهُمَا ابْتِدَاءً. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِإِجْمَاعِ النَّاسِ بَعْدَ شُرُوعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَةِ - عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ - لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَأُبِيحُ فِيهَا التَّحَلُّلُ لِلْمُحْصَرِ فَحَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ لَمَّا صَدَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ وَرَجَعُوا. وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ يَجِبُ عَلَى الشَّارِعِ فِيهِمَا إتْمَامُهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. وَتَنَازَعُوا فِي الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَسْجِدَ الرَّسُولِ. فَضِيلَةُ السَّفَرِ إلَيْهِ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ؛ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْقَبْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا مِنْ الْفُرُوقِ بَيْنَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ قَبْرِهِ وَغَيْرِهِ. فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ.