للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّ إتْيَانَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصْدَ ذَلِكَ وَالسَّفَرَ لِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إتْيَانِ قَبْرِهِ لَوْ كَانَتْ الْحُجْرَةُ مَفْتُوحَةً وَالسَّفَرِ إلَيْهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَأْتُونَ مَسْجِدَهُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةَ خَمْسَ مَرَّاتٍ وَالْحُجْرَةُ إلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَدْخُلْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ نَهَاهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ وَأَنْ يَتَّخِذُوا قَبْرَهُ عِيدًا أَوْ وَثَنًا. وَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: {صَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ} . وَكَذَلِكَ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ صَلَاتَهُمْ وَسَلَامَهُمْ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى مِنْ عِنْدِ قَبْرِهِ. وَكُلُّ مَنْ يُسَافِرُ لِلزِّيَارَةِ فَسَفَرُهُ إنَّمَا يَكُونُ إلَى الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ قَصَدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَالسَّفَرُ إلَى الْمَسْجِدِ مُسْتَحَبٌّ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. وَالْمُجِيبُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْجَوَابِ الزِّيَارَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا وَالْمُتَنَازَعَ فِيهَا وَهَؤُلَاءِ أَعْرَضُوا عَنْ الْأَمْرِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَعُلَمَاءُ أُمَّتِهِ وَعَنْ اسْتِحْبَابِ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَجَمِيعُ عُلَمَاءِ أُمَّتِهِ وَفَهِمُوا مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ مَا لَمْ يَقْصِدُوهُ؛ فَإِنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا الَّذِي حَكَى أَلْفَاظَهُ قَدْ صَرَّحَ بِمَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُهُ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّفَرُ إلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْبَابَ قَصْدِ الْقَبْرِ؛ دُونَ الْمَسْجِدِ؛ بَلْ ذَكَرَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ فِي فَضْلِ زِيَارَةِ الرَّسُولِ مَا بَيَّنَ بِهِ مُرَادَهُ وَذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقِفَ بَعْدَ السَّلَامِ وَهَذَا كَرَاهَتُهُ لِزِيَارَةِ أَكْثَرِ الْعَامَّةِ. وَهَؤُلَاءِ