لِلصَّلَاةِ وَمَنْ نَذَرَ إتْيَانَ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ وَفَّى بِنَذْرِهِ وَإِنْ قَصَدَ شَيْئًا آخَرَ مِثْلَ زِيَارَةِ مَنْ بِالْبَقِيعِ أَوْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ لِأَنَّ السَّفَرَ إنَّمَا يُشْرَعُ إلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ بِخِلَافِهِ بَلْ كَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي السَّفَرِ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ قَوْلَيْنِ: التَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ. وَقُدَمَاؤُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ قَالُوا: إنَّهُ مُحَرَّمٌ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ. وَإِنَّمَا وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ} . صِيغَةُ خَبَرٍ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ فَيَكُونُ حَرَامًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِنَهْيٍ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ وَلَيْسَ بِوَاجِبِ وَلَا مُسْتَحَبٍّ بَلْ مُبَاحٌ كَالسَّفَرِ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا. فَيُقَالُ لَهُ: تِلْكَ الْأَسْفَارُ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْعِبَادَةُ بَلْ يُقْصَدُ بِهَا مَصْلَحَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ مُبَاحَةٌ وَالسَّفَرُ إلَى الْقُبُورِ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الْعِبَادَةُ وَالْعِبَادَةُ إنَّمَا تَكُونُ بِوَاجِبِ أَوْ مُسْتَحَبٍّ فَإِذَا حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ السَّفَرَ إلَى الْقُبُورِ لَيْسَ بِوَاجِبِ وَلَا مُسْتَحَبٍّ كَانَ مَنْ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَبُّدِ مُبْتَدِعًا مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَالتَّعَبُّدُ بِالْبِدْعَةِ لَيْسَ بِمُبَاحِ لَكِنْ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ فَإِنَّهُ قَدْ يُعْذَرُ فَإِذَا بُيِّنَتْ لَهُ السُّنَّةُ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُخَالَفَةُ النَّبِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute