للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا} فَكَانَ نَهْيُهُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ. ثُمَّ أَبَاحَ الزِّيَارَةَ بَعْدُ لِمَعْنَى الِاتِّعَاظِ لَا لِمَعْنَى الْمُبَاهَاةِ وَالتَّفَاخُرِ وَتَسْنِيمِهَا بِالْحِجَارَةِ الرُّخَامِ وَتَلْوِينِهَا سَرَفًا وَبُنْيَانِ النَّوَاوِيسِ عَلَيْهَا هَذَا لَفْظُ ابْنِ عَطِيَّةَ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ. وَنَهَى عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالْمُقَيَّرِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ نُسِخَ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَمْ يُنْسَخْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَ النَّسْخِ لَيْسَتْ مَشْهُورَةً. وَلِهَذَا لَمْ يُخَرِّجْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ مَا فِيهِ نَسْخٌ عَامٌّ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: بَلْ نُسِخَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إنَّمَا نُسِخَ إلَى الْإِبَاحَةِ فَزِيَارَةُ الْقُبُورِ مُبَاحَةٌ لَا مُسْتَحَبَّةٌ. وَهَذَا قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد. قَالُوا: لِأَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ إنَّمَا تُفِيدُ الْإِبَاحَةَ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَكُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا} وَرُوِيَ {فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا} . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ كَانَ لِمَا كَانَ يُقَالُ عِنْدَهَا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُنْكَرَةِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَالنَّهْيِ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ أَوَّلًا لِأَنَّ الشِّدَّةَ الْمُطْرِبَةَ تَدِبُّ فِيهَا وَلَا يُدْرَى بِذَلِكَ فَيَشْرَبُ الشَّارِبُ الْخَمْرَ وَهُوَ لَا يَدْرِي.