للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَلْزَمُ نَفْسَ الْمَخْلُوقِ لُزُومًا لَا يُمْكِنُهُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ فَالْمَرْجِعُ فِي كَوْنِهِ ضَرُورِيًّا إلَى أَنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ. فَأَخْبَرَ الشَّيْخُ: أَنَّ عُلُومَهُمْ ضَرُورِيَّةٌ وَأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى النُّفُوسِ عَلَى وَجْهٍ تَعْجِزُ عَنْ دَفْعِهِ فَقَالَا لَهُ: مَا الطَّرِيقُ إلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: تَتْرُكَانِ مَا أَنْتُمَا فِيهِ وَتَسْلُكَانِ مَا أَمَرَكُمَا اللَّهُ بِهِ مِنْ الذِّكْرِ وَالْعِبَادَةِ. فَقَالَ الرَّازِي: أَنَا مَشْغُولٌ عَنْ هَذَا. وَقَالَ الْمُعْتَزِلِيُّ: أَنَا قَدْ احْتَرَقَ قَلْبِي بِالشُّبُهَاتِ وَأُحِبُّ هَذِهِ الْوَارِدَاتِ فَلَزِمَ الشَّيْخَ مُدَّةً ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مَحَلِّ عِبَادَتِهِ وَهُوَ يَقُولُهُ: وَاَللَّهِ يَا سَيِّدِي مَا الْحَقُّ إلَّا فِيمَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الْمُشَبِّهَةُ - يَعْنِي: الْمُثْبِتِينَ لِلصِّفَاتِ؛ فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ يُسَمُّونَ الصفاتية مُشَبِّهَةً - وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلِمَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ قَلْبِهِ أَنَّ رَبَّ الْعَالَمِ لَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ عَنْ الْعَالَمِ وَأَنَّ يَكُونَ بَائِنًا مِنْهُ لَهُ صِفَاتٌ تَخْتَصُّ بِهِ وَأَنَّ هَذَا الرَّبَّ الَّذِي تَصِفُهُ الْجَهْمِيَّة إنَّمَا هُوَ عَدَمٌ مَحْضٌ. وَهَذَا مَوْضِعُ الْحِكَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ الشَّيْخِ الْعَارِفِ أَبِي جَعْفَرٍ الهمداني لِأَبِي الْمَعَالِي الجُوَيْنِي لَمَّا أَخَذَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: كَانَ اللَّهُ وَلَا عَرْشَ فَقَالَ: يَا أُسْتَاذُ دَعْنَا مِنْ ذِكْرِ الْعَرْشِ - يَعْنِي: لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَاءَ فِي السَّمْعِ - أَخْبِرْنَا عَنْ هَذِهِ الضَّرُورَةِ الَّتِي نَجِدُهَا فِي قُلُوبِنَا فَإِنَّهُ مَا قَالَ عَارِفٌ قَطُّ " يَا اللَّهُ " إلَّا وَجَدَ مِنْ قَلْبِهِ ضَرُورَةً تَطْلُبُ الْعُلُوَّ لَا تَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً فَكَيْفَ نَدْفَعُ هَذِهِ الضَّرُورَةَ عَنْ قُلُوبِنَا؟ قَالَ: فَلَطَمَ أَبُو الْمَعَالِي عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: حَيَّرَنِي الهمداني حَيَّرَنِي الهمداني وَنَزَلَ.