للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} فَإِنَّ دَاعِيَ الْخَيْرِ أَقْوَى؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِيهِ دَاعٍ يَدْعُوهُ إلَى الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ؛ وَالصِّدْقِ وَالْعَدْلِ؛ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَإِذَا وُجِدَ مَنْ يَعْمَلُ مِثْلَ ذَلِكَ صَارَ لَهُ دَاعٍ آخَرُ؛ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ نَظِيرُهُ؛ لَا سِيَّمَا مَعَ الْمُنَافَسَةِ وَهَذَا مَحْمُودٌ حَسَنٌ. فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُحِبُّ مُوَافَقَتَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمُشَارَكَتَهُ لَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالصَّالِحِينَ؛ وَيُبْغِضُهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ: صَارَ لَهُ دَاعٍ ثَالِثٌ؛ فَإِذَا أَمَرُوهُ بِذَلِكَ وَوَالَوْهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَادَوْهُ وَعَاقَبُوهُ عَلَى تَرْكِهِ صَارَ لَهُ دَاعٍ رَابِعٌ. وَلِهَذَا يُؤْمَرُ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُقَابِلُوا السَّيِّئَاتِ بِضِدِّهَا مِنْ الْحَسَنَاتِ؛ كَمَا يُقَابِلُ الطَّبِيبُ الْمَرَضَ بِضِدِّهِ. فَيُؤْمَرُ الْمُؤْمِنُ بِأَنْ يُصْلِحَ نَفْسَهُ وَذَلِكَ بِشَيْئَيْنِ: بِفِعْلِ الْحَسَنَاتِ. وَتَرْكِ السَّيِّئَاتِ مَعَ وُجُودِ مَا يَنْفِي الْحَسَنَاتِ وَيَقْتَضِي السَّيِّئَاتِ. وَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ. وَيُؤْمَرُ أَيْضًا بِإِصْلَاحِ غَيْرِهِ بِهَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبِعَةِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ وَإِمْكَانِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ} {إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} {إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} . وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي سُورَةِ (وَالْعَصْرِ لَكَفَتْهُمْ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ خَاسِرُونَ إلَّا مَنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ مُؤْمِنًا صَالِحًا؛ وَمَعَ غَيْرِهِ مُوصِيًا بِالْحَقِّ مُوصِيًا بِالصَّبْرِ. وَإِذَا عَظُمَتْ الْمِحْنَةُ كَانَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِ الصَّالِحِ سَبَبًا لِعُلُوِّ