غَيْرَهُ عَنْ شَيْءٍ؛ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُحْسِنَ إلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ إحْسَانًا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهُ؛ مِنْ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ وَانْدِفَاعِ الْمَكْرُوهِ؛ فَإِنَّ النُّفُوسَ لَا تَصْبِرُ عَلَى الْمُرِّ إلَّا بِنَوْعِ مِنْ الْحُلْوِ؛ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ؛ حَتَّى جَعَلَ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ نَصِيبًا فِي الصَّدَقَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} فَلَا بُدَّ أَنْ يَصْبِرَ وَأَنْ يَرْحَمَ وَهَذَا هُوَ الشَّجَاعَةُ وَالْكَرَمُ. وَلِهَذَا يُقْرِنُ اللَّهُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ تَارَةً؛ وَهِيَ الْإِحْسَانُ إلَى الْخَلْقِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّبْرِ تَارَةً. وَلَا بُدَّ مِنْ الثَّلَاثَةِ: الصَّلَاةِ؛ وَالزَّكَاةِ؛ وَالصَّبْرِ. لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ الْمُؤْمِنِينَ إلَّا بِذَلِكَ؛ فِي صَلَاحِ نُفُوسِهِمْ وَإِصْلَاحِ غَيْرِهِمْ؛ لَا سِيَّمَا كُلَّمَا قَوِيَتْ الْفِتْنَةُ وَالْمِحْنَةُ؛ فَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ تَكُونُ أَشَدَّ؛ فَالْحَاجَةُ إلَى السَّمَاحَةِ وَالصَّبْرِ عَامَّةً لِجَمِيعِ بَنِي آدَمَ لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ دِينِهِمْ وَلَا دُنْيَاهُمْ إلَّا بِهِ. وَلِهَذَا جَمِيعُهُمْ يَتَمَادَحُونَ بِالشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ حَتَّى إنَّ ذَلِكَ عَامَّةُ مَا يَمْدَحُ بِهِ الشُّعَرَاءُ فِي شِعْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ يَتَذَامُّونَ بِالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ. وَالْقَضَايَا الَّتِي يَتَّفِقُ عَلَيْهَا بَنُو آدَمَ لَا تَكُونُ إلَّا حَقًّا؛ كَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَدْحِ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ؛ وَذَمِّ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ. وَقَدْ قَالَ {النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَهُ الْأَعْرَابُ؛ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إلَى سَمُرَةٍ فَتَعَلَّقَتْ بِرِدَائِهِ؛ فَالْتَفَتَ إلَيْهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute