وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ} . فَهَذَا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ الْمُنْكَرَاتِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِثْلَ قَوْمٍ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ يَجْلِسُ عِنْدَهُمْ. وَقَوْمٌ دُعُوا إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا خَمْرٌ وَزَمْرٌ لَا يُجِيبُ دَعْوَتَهُمْ وَأَمْثَالَ ذَلِكَ. بِخِلَافِ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُمْ لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ أَوْ حَضَرَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. وَلِهَذَا يُقَالُ: حَاضِرُ الْمُنْكَرِ كَفَاعِلِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: {مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ} . وَهَذَا الْهَجْرُ مِنْ جِنْسِ هَجْرِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عَنْ فِعْلِ الْمُنْكَرَاتِ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ} . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. فَإِنَّهُ هَجْرٌ لِلْمَقَامِ بَيْنَ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَا يُمَكِّنُونَهُ مِنْ فِعْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} . النَّوْعُ الثَّانِي: الْهَجْرُ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ وَهُوَ هَجْرُ مَنْ يُظْهِرُ الْمُنْكَرَاتِ يُهْجَرُ حَتَّى يَتُوبَ مِنْهَا كَمَا {هَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ: الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ} حِينَ ظَهَرَ مِنْهُمْ تَرْكُ الْجِهَادِ الْمُتَعَيَّنِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَمْ يَهْجُرْ مَنْ أَظْهَرَ الْخَيْرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute