للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَذَلِكَ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْمُطَاعِينَ وَغَيْرِهِمْ وَإِذَا عَرَفَ مَقْصُودَ الشَّرِيعَةِ سَلَكَ فِي حُصُولِهِ أَوْصَلَ الطُّرُقِ إلَيْهِ. وَإِذَا عَرَفَ هَذَا فَالْهِجْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَرَسُولُهُ. فَالطَّاعَةُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً لِلَّهِ وَأَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِأَمْرِهِ فَتَكُونُ خَالِصَةً لِلَّهِ صَوَابًا. فَمَنْ هَجَرَ لِهَوَى نَفْسِهِ أَوْ هَجَرَ هَجْرًا غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهِ: كَانَ خَارِجًا عَنْ هَذَا. وَمَا أَكْثَرَ مَا تَفْعَلُ النُّفُوسُ مَا تَهْوَاهُ ظَانَّةً أَنَّهَا تَفْعَلُهُ طَاعَةً لِلَّهِ. وَالْهَجْرُ لِأَجْلِ حَظِّ الْإِنْسَانِ لَا يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمِ أَنَّ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ؛ يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ} فَلَمْ يُرَخِّصْ فِي هَذَا الْهَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ كَمَا لَمْ يُرَخِّصْ فِي إحْدَادِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا؛ إلَّا رَجُلًا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا} فَهَذَا الْهَجْرُ لِحَقِّ الْإِنْسَانِ حَرَامٌ وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِي بَعْضِهِ كَمَا رَخَّصَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَهْجُرَ امْرَأَتَهُ فِي الْمَضْجَعِ إذَا نَشَزَتْ. وَكَمَا رَخَّصَ فِي هَجْرِ الثَّلَاثِ. فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْهَجْرِ لِحَقِّ اللَّهِ وَبَيْنَ الْهَجْرِ لِحَقِّ نَفْسِهِ.