للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا التَّنَاقُضُ فِي إثْبَاتِ هَذَا الْمَوْجُودِ الَّذِي لَيْسَ بِخَارِجِ عَنْ الْعَالَمِ وَلَا هُوَ الْعَالَمُ الَّذِي تَرُدُّهُ فِطَرُهُمْ وَشُهُودُهُمْ وَعُقُولُهُمْ؛ غَيْرُ مَا فِي الْفِطْرَةِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِصَانِعِ فَوْقَ الْعَالَمِ فَإِنَّ هَذَا إقْرَارُ الْفِطْرَةِ بِالْحَقِّ الْمَعْرُوفِ وَذَاكَ إنْكَارُ الْفِطْرَةِ بِالْبَاطِلِ الْمُنْكَرِ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ المقدسي فِي حِكَايَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ: أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا جَعْفَرٍ الهمداني حَضَرَ مَرَّةً وَالْأُسْتَاذُ أَبُو الْمَعَالِي يَذْكُرُ عَلَى الْمِنْبَرِ: " كَانَ اللَّهُ وَلَا عَرْشَ " وَنَفَى الِاسْتِوَاءَ - عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ رَجَعَ عَنْ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ وَمَاتَ عَلَى دِينِ أُمِّهِ وَعَجَائِزِ نَيْسَابُورَ - قَالَ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ " يَا أُسْتَاذُ دَعْنَا مِنْ ذِكْرِ الْعَرْشِ - يَعْنِي لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَاءَ فِي السَّمْعِ - أَخْبِرْنَا عَنْ هَذِهِ الضَّرُورَةِ الَّتِي نَجِدُهَا فِي قُلُوبِنَا: مَا قَالَ عَارِفٌ قَطُّ " يَا اللَّهُ " إلَّا وَجَدَ مِنْ قَلْبِهِ مَعْنًى يَطْلُبُ الْعُلُوَّ لَا يَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً فَكَيْفَ نَدْفَعُ هَذِهِ الضَّرُورَةَ عَنْ قُلُوبِنَا؟ ". فَصَرَخَ أَبُو الْمَعَالِي وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ. " حَيَّرَنِي الهمداني ". أَوْ كَمَا قَالَ وَنَزَلَ. فَهَذَا الشَّيْخُ تَكَلَّمَ بِلِسَانِ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعَرْشَ وَالْعِلْمَ بِاسْتِوَاءِ اللَّهِ عَلَيْهِ إنَّمَا أُخِذَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَخَبَرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِعُلُوِّ اللَّهِ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عَرْشٍ وَلَا اسْتِوَاءٍ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ فِطْرِيٌّ ضَرُورِيٌّ نَجِدُهُ فِي قُلُوبِنَا نَحْنُ وَجَمِيعُ مَنْ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى فَكَيْفَ نَدْفَعُ هَذِهِ الضَّرُورَةَ عَنْ قُلُوبِنَا.