للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ} قَدْ فَسَّرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِحُدُودِ اللَّهِ مَا حَرُمَ لِحَقِّ اللَّهِ؛ فَإِنَّ الْحُدُودَ فِي لَفْظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُرَادُ بِهَا الْفَصْلُ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: مِثْلَ آخِرِ الْحَلَالِ وَأَوَّلَ الْحَرَامِ. فَيُقَالُ فِي الْأَوَّلِ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} . وَيُقَالُ فِي الثَّانِي: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} . وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الْعُقُوبَةِ الْمُقَدَّرَةِ حَدًّا فَهُوَ عُرْفٌ حَادِثٌ. وَمُرَادُ الْحَدِيثِ: أَنَّ مَنْ ضُرِبَ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرِ جَلَدَاتٍ. وَالْجَلْدُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ: هُوَ الْجَلْدُ الْمُعْتَدِلُ بِالسَّوْطِ؛ فَإِنَّ خِيَارَ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ضَرْبٌ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ وَسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ " وَلَا يَكُونُ الْجَلْدُ بِالْعِصِيِّ وَلَا بِالْمُقَارِعِ وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالدِّرَّةِ؛ بَلْ الدِّرَّةُ تُسْتَعْمَلُ فِي التَّعْزِيرِ. أَمَّا الْحُدُودُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْجَلْدِ بِالسَّوْطِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُؤَدِّبُ بِالدِّرَّةِ؛ فَإِذَا جَاءَتْ الْحُدُودُ دَعَا بِالسَّوْطِ وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ كُلُّهَا؛ بَلْ يُنْزَعُ عَنْهُ مَا يَمْنَعُ أَلَمَ الضَّرْبِ مِنْ الْحَشَايَا وَالْفِرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا يُرْبَطُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ وَلَا يُضْرَبُ وَجْهُهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ