للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَوَصَفَ الْمُثَبِّطِينَ عَنْ الْجِهَادِ - وَهُمْ صِنْفَانِ - بِأَنَّهُمْ إمَّا أَنْ يَكُونُوا فِي بَلَدِ الْغُزَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ كَانُوا فِيهِ عَوَّقُوهُمْ عَنْ الْجِهَادِ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْعَمَلِ أَوْ بِهِمَا. وَإِنْ كَانُوا فِي غَيْرِهِ رَاسَلُوهُمْ أَوْ كَاتَبُوهُمْ: بِأَنْ يَخْرُجُوا إلَيْهِمْ مِنْ بَلَدِ الْغُزَاةِ لِيَكُونُوا مَعَهُمْ بِالْحُصُونِ أَوْ بِالْبُعْدِ. كَمَا جَرَى فِي هَذِهِ الْغُزَاةِ. فَإِنَّ أَقْوَامًا فِي الْعَسْكَرِ وَالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمَا صَارُوا يُعَوِّقُونَ مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ وَأَقْوَامًا بُعِثُوا مِنْ الْمَعَاقِلِ وَالْحُصُونِ وَغَيْرِهَا إلَى إخْوَانِهِمْ: هَلُمَّ إلَيْنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} أَيّ بُخَلَاءَ عَلَيْكُمْ بِالْقِتَالِ مَعَكُمْ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بُخَلَاءُ عَلَيْكُمْ بِالْخَيْرِ وَالظَّفَرِ وَالْغَنِيمَةِ. وَهَذِهِ حَالُ مَنْ بَخِلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ أَوْ شَحَّ عَلَيْهِمْ بِفَضْلِ اللَّهِ: مِنْ نَصْرِهِ وَرِزْقِهِ الَّذِي يُجْرِيهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. فَإِنَّ أَقْوَامًا يَشُحُّونَ بِمَعْرُوفِهِمْ وَأَقْوَامًا يَشُحُّونَ بِمَعْرُوفِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ. وَهُمْ الْحُسَّادُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ يُشْبِهُونَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَقْتَ النَّزْعِ. فَإِنَّهُ يَخَافُ وَيُذْهِلُ عَقْلَهُ وَيَشْخَصُ بَصَرُهُ وَلَا يَطْرِفُ. فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَخَافُونَ الْقَتْلَ. {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} وَيُقَالُ فِي اللُّغَةِ