للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ لِفَرْطِ خَوْفِهِمْ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَنْصَرِفُوا عَنْ الْبَلَدِ. وَهَذِهِ حَالُ الْجَبَانِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ. فَإِنَّ قَلْبَهُ يُبَادِرُ إلَى تَصْدِيقِ الْخَبَرِ الْمُخَوِّفِ وَتَكْذِيبِ خَبَرِ الْأَمْنِ. الْوَصْفُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَحْزَابَ إذَا جَاءُوا تَمَنَّوْا أَنْ لَا يَكُونُوا بَيْنَكُمْ؛ بَلْ يَكُونُونَ فِي الْبَادِيَةِ بَيْنَ الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ: إيش خَبَرُ الْمَدِينَةِ؟ وإيش جَرَى لِلنَّاسِ؟ . وَالْوَصْفُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَحْزَابَ إذَا أَتَوْا وَهُمْ فِيكُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا إلَّا قَلِيلًا. وَهَذِهِ الصِّفَاتُ الثَّلَاثُ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ كَمَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَيَعْرِفُهُ مِنْهُمْ مِنْ خَبَرِهِمْ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} . فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الَّذِينَ يُبْتَلَوْنَ بِالْعَدُوِّ كَمَا اُبْتُلِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُمْ فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ حَيْثُ أَصَابَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُ. فَلْيَتَأَسَّوْا بِهِ فِي التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ وَلَا يَظُنُّونَ أَنَّ هَذِهِ نِقَمٌ لِصَاحِبِهَا وَإِهَانَةٌ لَهُ. فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا اُبْتُلِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْخَلَائِقِ؛ بَلْ بِهَا يُنَالُ الدَّرَجَاتُ الْعَالِيَةُ وَبِهَا يُكَفِّرُ اللَّهُ الْخَطَايَا لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا. وَإِلَّا فَقَدْ يُبْتَلَى بِذَلِكَ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ