للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالْأَيْدِي الْقُوَّةُ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَالْأَبْصَارُ الْبَصَائِرُ فِي دِينِ اللَّهِ فَبِالْبَصَائِرِ يُدْرَكُ الْحَقُّ وَيُعْرَفُ وَبِالْقُوَّةِ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَبْلِيغِهِ وَتَنْفِيذِهِ وَالدَّعْوَةِ إلَيْهِ. فَهَذِهِ الطَّبَقَةُ كَانَ لَهَا قُوَّةُ الْحِفْظِ وَالْفَهْمِ وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْبَصَرِ وَالتَّأْوِيلِ؛ فَفَجَّرَتْ مِنْ النُّصُوصِ أَنْهَارَ الْعُلُومِ وَاسْتَنْبَطَتْ مِنْهَا كُنُوزَهَا وَرُزِقَتْ فِيهَا فَهْمًا خَاصًّا كَمَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ سُئِلَ: " هَلْ خَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءِ دُونَ النَّاسِ؟ فَقَالَ: لَا؛ وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ؛ إلَّا فَهْمًا يُؤْتِيهِ اللَّهُ عَبْدًا فِي كِتَابِهِ. فَهَذَا الْفَهْمُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَأِ وَالْعُشْبِ الَّذِي أَنْبَتَتْهُ الْأَرْضُ الطَّيِّبَةُ. وَهُوَ الَّذِي تَمَيَّزَتْ بِهِ هَذِهِ الطَّبَقَةُ عَنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ؛ وَهِيَ الَّتِي حَفِظَتْ النُّصُوصَ فَكَانَ هَمُّهَا حِفْظَهَا وَضَبْطَهَا؛ فَوَرَدَهَا النَّاسُ وَتَلَقَّوْهَا بِالْقَبُولِ؛ وَاسْتَنْبَطُوا مِنْهَا وَاسْتَخْرَجُوا كُنُوزَهَا وَاتَّجَرُوا فِيهَا؛ وَبَذَرُوهَا فِي أَرْضٍ قَابِلَةٍ لِلزَّرْعِ وَالنَّبَاتِ؛ وَرَوَوْهَا كُلٌّ بِحَسَبِهِ. {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} . وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا؛ ثُمَّ أَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ وَلَيْسَ بِفَقِيهِ؛ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ} . وَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَبْرُ الْأُمَّةِ؛ وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ. مِقْدَارُ مَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبْلُغُ نَحْوَ الْعِشْرِينَ حَدِيثًا الَّذِي