الثَّالِثُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ؛ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ: وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُ فِيهَا مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَسْمِهَا أَوْ حَبْسِهَا؛ فَإِنْ رَأَى قَسْمَهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ فَعَلَ وَإِنْ رَأَى أَنْ يَدَعَهَا فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ فَعَلَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ وَكَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ بِنِصْفِ خَيْبَرَ وَأَنَّهُ قَسَمَ نِصْفَهَا وَحَبَسَ نِصْفَهَا لِنَوَائِبِهِ وَأَنَّهُ فَتَحَ مَكَّةَ عَنْوَةً وَلَمْ يَقْسِمْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ. فَعُلِمَ أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ يَجُوزُ قَسَمُهَا وَيَجُوزُ تَرْكُ قَسْمِهَا. وَقَدْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفًا كَبِيرًا. إذَا عُرِفَ ذَلِكَ: فَمِصْرُ هِيَ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يَقْسِمْهَا عُمَرُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ: مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ؛ لَكِنْ تَنَقَّلَتْ أَحْوَالُهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا تَنَقَّلَتْ أَحْوَالُ الْعِرَاقِ. فَإِنَّ خُلَفَاءَ بَنِي الْعَبَّاسِ نَقَلُوهُ إلَى الْمُقَاسَمَةِ بَعْدَ الْمُخَارَجَةِ وَهَذَا جَائِزٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ. وَكَذَلِكَ مِصْرُ رُفِعَ عَنْهَا الْخَرَاجُ مِنْ مُدَّةٍ لَا أَعْلَمُ ابْتِدَاءَهَا وَصَارَتْ الرَّقَبَةُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا جَائِزٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا مَذْهَبُ عُمَرَ فِي الْفَيْءِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِيهِ حَقًّا؛ لَكِنَّهُ يُقَدِّمُ الْفُقَرَاءَ وَأَهْلَ الْمَنْفَعَةِ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الْمَالِ مِنْ أَحَدٍ إنَّمَا هُوَ الرَّجُلُ وَبَلَاؤُهُ وَالرَّجُلُ وَغِنَاؤُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute