وَالثَّانِي قَبْضُهَا بِغَيْرِ إذْنِ الشَّارِعِ وَإِنْ أَذِنَ صَاحِبُهَا وَهِيَ الْعُقُودُ والقبوض الْمُحَرَّمَةُ كَالرِّبَا وَالْمَيْسِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ حَصَلَتْ بِيَدِهِ رَدُّهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَالْمَجْهُولُ كَالْمَعْدُومِ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللُّقَطَةِ: {فَإِنْ وَجَدْت صَاحِبَهَا فَارْدُدْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللُّقَطَةَ الَّتِي عَرَفَ أَنَّهَا مِلْكٌ لِمَعْصُومِ وَقَدْ خَرَجَتْ عَنْهُ بِلَا رِضَاهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ فَقَدْ آتَاهَا اللَّهُ لِمَنْ سَلَّطَهُ عَلَيْهَا بِالِالْتِقَاطِ الشَّرْعِيِّ. وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ مَعْلُومٌ فَمَالُهُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي غَالِبِ الْخَلْقِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُصْبَةٌ بَعِيدٌ؛ لَكِنْ جُهِلَتْ عَيْنُهُ وَلَمْ تُرْجَ مَعْرِفَتُهُ. فَجُعِلَ كَالْمَعْدُومِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَا دَلِيلَانِ قِيَاسِيَّانِ قَطْعِيَّانِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. فَإِنَّ مَا لَا يُعْلَمُ بِحَالِ أَوَّلًا يُقَدَّرُ عَلَيْهِ بِحَالِ هُوَ فِي حَقِّنَا بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ فَلَا نُكَلَّفُ إلَّا بِمَا نَعْلَمُهُ وَنَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَكَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حَقِّنَا بَيْنَ فِعْلٍ لَمْ نُؤْمَرْ بِهِ وَبَيْنَ فِعْلٍ أُمِرْنَا بِهِ جُمْلَةً عِنْدِ فَوْتِ الْعِلْمِ أَوْ الْقُدْرَةِ - كَمَا فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ وَالْعَاجِزِ - كَذَلِكَ لَا فَرْقَ فِي حَقِّنَا بَيْنَ مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ أُمِرْنَا بِإِيصَالِهِ إلَيْهِ وَبَيْنَ مَا أُمِرْنَا بِإِيصَالِهِ إلَى مَالِكِهِ جُمْلَةً؛ إذَا فَاتَ الْعِلْمُ بِهِ أَوْ الْقُدْرَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute