للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عُلِمَ ضَرُورَةً أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَلْتَزِمُونَ الصِّيغَةَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا، إذْ الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى الْقَوَاعِدِ. وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِي أَعْيَانِ الْمَسَائِلِ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا. فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنَى مَسْجِدَهُ وَالْمُسْلِمُونَ بَنَوْا الْمَسَاجِدَ عَلَى عَهْدِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا أَنْ يَقُولَ: وَقَفْت هَذَا الْمَسْجِدَ وَلَا مَا يُشْبِهُ هَذَا اللَّفْظَ؛ بَلْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِنَفْسِ بِنَائِهِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: {أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى الْجَمَلَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: هُوَ لَك يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ} وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْ ابْنِ عُمَرَ لَفْظُ قَبُولٍ. وَكَانَ يُهْدِي وَيُهْدَى لَهُ، فَيَكُونُ قَبْضُ الْهَدِيَّةِ قَبُولَهَا. وَلَمَّا نَحَرَ الْبَدَنَاتِ قَالَ: " {مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ} مَعَ إمْكَانِ قِسْمَتِهَا. فَكَانَ هَذَا إيجَابًا وَكَانَ الِاقْتِطَاعُ هُوَ الْقَبُولَ. وَكَانَ يُسْأَلُ فَيُعْطِي أَوْ يُعْطِي مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ فَيَقْبِضُ الْمُعْطَى. وَيَكُونُ الْإِعْطَاءُ هُوَ الْإِيجَابَ وَالْأَخْذُ هُوَ الْقَبُولُ: فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ جِدًّا؛ وَلَمْ يَكُنْ يَأْمُرُ الْآخِذِينَ بِلَفْظِ وَلَا يَلْتَزِمُ أَنْ يَتَلَفَّظَ لَهُمْ بِصِيغَةِ كَمَا فِي إعْطَائِهِ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَلِلْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِمْ. وَجَعَلَ إظْهَارَ الصِّفَاتِ فِي الْمَبِيعِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِهَا بِاللَّفْظِ فِي مِثْلِ الْمُصَرَّاةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمُدَلِّسَاتِ.