فَاكْتِرَاءُ الشَّجَرِ لَأَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا وَيَأْخُذَ ثَمَرَهَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ لِأَجْلِ لَبَنِهَا. وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إجَارَةٌ مَنْصُوصَةٌ إلَّا إجَارَةَ الظِّئْرِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} . وَلَمَّا اعْتَقَدَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مَنْفَعَةٍ لَيْسَتْ عَيْنًا وَرَأَى جَوَازَ إجَارَةِ الظِّئْرِ قَالَ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ وَضْعُ الطِّفْلِ فِي حِجْرِهَا وَاللَّبَنُ دَخَلَ ضِمْنًا وَتَبَعًا كَنَقْعِ الْبِئْرِ. وَهَذَا مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ وَالْحِسِّ؛ فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ هُوَ اللَّبَنُ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} وَضَمَّ الطِّفْلَ إلَى حِجْرِهَا: إنْ فَعَلَ فَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى ذَلِكَ. وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ مَا ذَكَرْته: مِنْ أَنَّ الْفَائِدَةَ الَّتِي تُسْتَخْلَفُ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهَا تَجْرِي مَجْرَى الْمَنْفَعَةِ. وَلَيْسَ مِنْ الْبَيْعِ الْخَاصِّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُسَمِّ الْعِوَضَ إلَّا أَجْرًا لَمْ يُسَمِّهِ ثَمَنًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَبَ اللَّبَنَ فَإِنَّهُ لَا يُسَمِّي الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إلَّا بَيْعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ الْفَائِدَةَ مِنْ أَصْلِهَا. كَمَا يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ مِنْ أَصْلِهَا. فَلَمَّا كَانَ لِلْفَوَائِدِ الْعَيْنِيَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ فَصْلُهَا عَنْ أَصْلِهَا حَالَانِ: حَالٌ تُشْبِهُ فِيهِ الْمَنَافِعَ الْمَحْضَةَ وَهِيَ حَالُ اتِّصَالِهَا وَاسْتِيفَائِهَا وَاسْتِيفَاؤُهُ كَاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ. وَحَالٌ تُشْبِهُ فِيهِ الْأَعْيَانَ الْمَحْضَةَ وَهِيَ حَالُ انْفِصَالِهَا وَقَبْضِهَا كَقَبْضِ الْأَعْيَانِ. فَإِذَا كَانَ صَاحِبُ الشَّجَرِ هُوَ الَّذِي يَسْقِيهَا وَيَعْمَلُ عَلَيْهَا حَتَّى تَصْلُحَ الثَّمَرَةُ؛ فَإِنَّمَا يَبِيعُ ثَمَرَةً مَحْضَةً كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي يَشُقُّ الْأَرْضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute