للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُثْمِرًا بِعَمَلِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ وَلِهَذَا يُسَمِّيهِ النَّاسُ ضَمَانًا إذْ لَيْسَ هُوَ بَيْعًا مَحْضًا وَلَا إجَارَةً مَحْضَةً فَسُمِّيَ بِاسْمِ الِالْتِزَامِ الْعَامِّ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الضَّمَانُ كَمَا يُسَمِّي الْفُقَهَاءُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ. وَكَذَلِكَ يُسَمَّى الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ضَمَانًا أَيْضًا لَكِنَّ ذَاكَ يُسَمَّى إجَارَةً. وَهَذَا إذَا سُمِّيَ إجَارَةً أَوْ اكْتِرَاءً: فَلِأَنَّ بَعْضَهُ إجَارَةٌ أَوْ اكْتِرَاءٌ وَفِيهِ بَيْعٌ أَيْضًا. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً أَصْلًا وَإِنَّمَا جَاءَتْ لِأَجْلِ جُذَاذِ الثَّمَرَةِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ عِنَبًا أَوْ بَلَحًا وَيُرِيدُ أَنْ يُقِيمَ فِي الْحَدِيقَةِ لِقِطَافِهِ: فَهَذَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ إنَّمَا قُصِدَتْ هُنَا لِأَجْلِ الثَّمَرِ فَلَا يَكُونُ الثَّمَرُ تَابِعًا لَهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجَارَتِهَا إلَّا إذَا جَازَ بَيْعُ الثَّمَرِ؛ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ إذَا كَانَتْ مَقْصُودَةً احْتَاجَ إلَى اسْتِئْجَارِهَا وَاحْتَاجَ مَعَ ذَلِكَ إلَى اشْتِرَاءِ الثَّمَرَةِ فَاحْتَاجَ إلَى الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُمْكِنُهُ إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَكَانَ لِلسُّكْنَى أَنْ يَدَعَ غَيْرَهُ يَشْتَرِي الثَّمَرَةَ؛ وَلَا يَتِمُّ غَرَضُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَمَرَةٌ يَأْكُلُهَا؛ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ الِانْتِفَاعُ بِالسُّكْنَى فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالْأَكْلِ مِنْ الثَّمَرِ الَّذِي فِيهِ. وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ هُوَ السُّكْنَى وَإِنَّمَا الشَّجَرُ قَلِيلٌ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّارِ نَخَلَاتٌ أَوْ عَرِيشُ عِنَبٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالْجَوَازُ هُنَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقِيَاسُ أَكْثَرِ نُصُوصِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ.