أَقْرَضَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ لِابْنَيْ عُمَرَ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَحَمَلَاهُ إلَى أَبِيهِمَا. فَطَلَبَ عُمَرُ جَمِيعَ الرِّبْحِ لِأَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ كَالْغَصْبِ حَيْثُ أَقْرَضَهُمَا وَلَمْ يُقْرِضْ غَيْرَهُمَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَالُ مُشْتَرَكٌ وَأَحَدُ الشُّرَكَاءِ إذَا اتَّجَرَ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بِدُونِ إذْنِ الْآخَرِ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ وَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ: " {الضَّمَانُ كَانَ عَلَيْنَا فَيَكُونُ الرِّبْحُ لَنَا} فَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مُضَارَبَةً. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَوْجُودَةٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ - وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ - هَلْ يَكُونُ رِبْحُ مَنْ اتَّجَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِرَبِّ الْمَالِ أَوْ لِلْعَامِلِ أَوْ لَهُمَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. وَأَحْسَنُهَا وَأَقْيَسُهَا: أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا؛ كَمَا قَضَى بِهِ عُمَرُ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ مُتَوَلِّدٌ عَنْ الْأَصْلَيْنِ. وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْمُضَارَبَةِ الَّذِي قَدْ اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ رَاعَوْا فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشَّرِكَةِ، فَأَخْذُ مِثْلِ الدَّرَاهِمِ يَجْرِي مَجْرَى عَيْنِهَا؛ وَلِهَذَا سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ الْقَرْضَ مَنِيحَةً؛ يُقَالُ: مَنِيحَةُ وَرِقٍ. وَيَقُولُ النَّاسُ: أَعِرْنِي دَرَاهِمَك. يَجْعَلُونَ رَدَّ مِثْلِ الدَّرَاهِمِ مِثْلَ رَدِّ عَيْنِ الْعَارِيَة وَالْمُقْتَرِضُ انْتَفَعَ بِهَا وَرَدَّهَا. وَسَمَّوْا الْمُضَارَبَةَ قِرَاضًا؛ لِأَنَّهَا فِي الْمُقَابَلَاتِ نَظِيرُ الْقَرْضِ فِي التَّبَرُّعَاتِ. وَيُقَالُ أَيْضًا: لَوْ كَانَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْفَرْقِ مُؤَثِّرًا لَكَانَ اقْتِضَاؤُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute