الَّذِي أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ أَنْ يَخْتَارَ إحْدَاهُمَا وَيُفَارِقَ الْأُخْرَى} . وَكَمَا أَمَرَ الصَّحَابَةَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْمَجُوسِ " أَنْ يُفَارِقُوا ذَوَاتَ الْمَحَارِمِ ". وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي عَقَدَهَا الْكُفَّارُ يُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ الْكُفَّارُ لَمْ يَعْقِدُوهَا بِإِذْنِ الشَّارِعِ. وَلَوْ كَانَتْ الْعُقُودُ عِنْدَهُمْ كَالْعِبَادَاتِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِشَرْعِ لَحَكَمُوا بِفَسَادِهَا أَوْ بِفَسَادِ مَا لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ مُسْتَمْسِكِينَ فِيهِ بِشَرْعِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ عَلَى أَنَّهَا إذَا عُقِدَتْ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمُوا بَعْدَ زَوَالِهِ: مَضَتْ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِاسْتِئْنَافِهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ فَلَيْسَ مَا عَقَدُوهُ بِغَيْرِ شَرْعٍ بِدُونِ مَا عَقَدُوهُ مَعَ تَحْرِيمِ الشَّرْعِ وَكِلَاهُمَا عِنْدَكُمْ سَوَاءٌ. قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ مَا عَقَدُوهُ مَعَ التَّحْرِيمِ إنَّمَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمُوا قَبْلَ التَّقَابُضِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ؛ بِخِلَافِ مَا عَقَدُوهُ بِغَيْرِ شَرْعٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْسَخُ؛ لَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ اشْتَرَطُوا فِي النِّكَاحِ الْقَبْضَ بَلْ سَوَّوْا بَيْنَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ عَقْدِ النِّكَاحِ يُوجِبُ أَحْكَامًا بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْقَبْضُ مِنْ الْمُصَاهَرَةِ وَنَحْوِهَا. كَمَا أَنَّ نَفْسَ الْوَطْءِ يُوجِبُ أَحْكَامًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ. فَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ - وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْآخَرِ - أَقَرَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute