للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّ كَثِيرًا لَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ يَحْتَجِرُ عَلَيْهِ وُلَاةُ الْأُمُورِ يَبِيعُونَهُ لِلنَّاسِ. وَلَا يُمْكِنُ لِلنَّاسِ أَخْذُهُ إلَّا مِنْ أُولَئِكَ. وَمِنْ هَذَا مَا يَكُونُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ: كَالْمِلْحِ والأطرون وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنْهُ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَمْلُوكَاتِ. كَالصُّوفِ وَالْجُلُودِ وَالشَّعْرِ كَمَا يَبِيعُونَهُ مِنْ أَمْوَالِ مَنْ يُصَادِرُونَهُ وَالنَّاسُ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُقْبَضُ بِحَقِّ. وَمِنْهُ مَا يُقْبَضُ بِتَأْوِيلِ. وَمِنْهُ مَا يُقْبَضُ ظُلْمًا مَحْضًا؛ لَكِنْ جَمِيعُ ذَلِكَ يُرَدُّ إلَى أَصْحَابِهِ؛ بَلْ قَدْ يَتَعَذَّرُ رَدُّهُ إلَى أَصْحَابِهِ؛ إمَّا لِجَهْلِهِمْ وَإِمَّا لِعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهِ إلَيْهِمْ. وَالْمَجْهُولُ وَالْمَعْجُوزُ عَنْهُ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهِ وَإِمَّا لِإِجْبَارِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الظُّلْمِ. وَعَلَى كُلِّ التَّقْدِيرَيْنِ فَبَيْعُهُ خَيْرٌ لِصَاحِبِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يُتْرَكَ فَيَفْسُدُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدٌ. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْأَصْلَحُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بَيْعَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيَكُونُ حَلَالًا لَهُ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَظْلِمْ أَحَدًا؛ فَإِنَّهُ أَدَّى الثَّمَنَ. وَالْمَظْلُومُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَسْتَحِقُّ الثَّمَنَ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ لَهُ بَيْعَهُ كَمَا يُبَاعُ مَالُ الْغَائِبِ حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ بِمَكَانٍ لَيْسَ فِيهِ وَلِيُّ أَمْرٍ: فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: لِرُفْقَتِهِ وِلَايَةُ قَبْضٍ ذَلِكَ وَبَيْعُهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ عِنْدَهُ أَمْوَالٌ مَغْصُوبَةٌ وَعَوَارٍ وَوَدَائِعُ لَا يَعْرِفُ أَصْحَابَهَا: فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد أَنَّهَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَيَجُوزُ شِرَاؤُهَا.