الْأَصْلَ الْخَامِسَ: وَهُوَ الَّذِي يَكْشِفُ سِرَّ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمَجْهُولَ فِي الشَّرِيعَةِ كَالْمَعْدُومِ وَالْمَعْجُوزِ عَنْهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ} فَاَللَّهُ إذَا أَمَرَنَا بِأَمْرٍ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ. فَمَا عَجَزْنَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ أَوْ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ سَقَطَ عَنَّا؛ وَلِهَذَا {قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللُّقَطَةِ: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدَّاهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} فَهَذِهِ اللُّقَطَةُ كَانَتْ مِلْكًا لِمَالِكٍ وَوَقَعَتْ مِنْهُ فَلَمَّا تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ مَالِكِهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {هِيَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ شَاءَ أَنْ يُزِيلَ عَنْهَا مِلْكَ ذَلِكَ الْمَالِكِ وَيُعْطِيَهَا لِهَذَا الْمُلْتَقِطِ الَّذِي عَرَّفَهَا سَنَةً. وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ بَعْدَ تَعْرِيفِ السَّنَةِ يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا. وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا إنْ كَانَ فَقِيرًا. وَهَلْ لَهُ التَّمَلُّكُ مَعَ الْغِنَى؟ . فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ. وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُهُ. وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ وَارِثٌ صُرِفَ مَالُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ الْوَارِثُ يُسَلِّمُ إلَيْهِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَبَيُّنِهِ يَكُونُ صَرْفُهُ إلَى مَنْ يَصْرِفُهُ جَائِزًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute